استعاره مرشحة
(و الدّنيا كاسفة النّور) استعار النور للعلم المقتبس
من الأنبياء و الحجج بشباهة أنّ كلّا منهما سبب لهداية الأنام في الضّلالة و
الظلام، و رشّحها بذكر الكسف الذى من ملايمات النّور و أراد به عدم وجود هذا
النّور في ذلك الزمان (ظاهرة الغرور) أراد
ظهور اغترار النّاس بها و شيوع افتتانهم بشهواتها و لذاتها استعارة بالكناية-
استعارة تخييلية- استعارة مرشحة (على حين اصفرار من ورقها
و اياس من ثمرها و اغورار من مائها) شبّه 7 الدنيا
بشجرة مثمرة مورقة في اشتمالها على ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين على سبيل
الاستعارة بالكناية و ذكر الورق و الثمر و الماء تخييل. و إثبات الاصفرار و الاياس
و الاغورار ترشيح، و أراد بتلك الترشيحات بيان خلوّ الدنيا يومئذ عن آثار العلم و
الهداية و ما يوجب السعادة في البداية و النهاية.
و يمكن جعله
مركّبا من استعارات متعدّدة و يكون المراد بيان خلوّ الدنيا حينئذ من الأمن و
الرّفاهية و المنافع الدّنيوية ليكون ما يذكر بعده تأسيسا.
و توضيح ذلك
الوجه ما ذكره الشارح البحراني حيث قال استعار لفظ الثمرة و الورق لمتاعها و
زينتها و لفظ الاصفرار لتغيّر تلك الزينة عن العرب في ذلك الوقت و عدم طراوة عيشهم
اذا و خشونة مطاعمهم كما يذهب حسن الشّجرة باصفرار ورقها فلا يلتذّ بالنّظر إليها،
و عنى بالاياس من ثمرها انقطاع مآل العرب اذا من الملك و الدّولة و
ما يستلزمه من الحصول على طيبات الدّنيا.
و كذلك
استعار لفظ الماء لموادّ متاع الدّنيا و طرق لذّاتها و لفظ الاغورار لعدم تلك
الموادّ من ضعف التجارات و المكاسب و عدم التملّك للأمصار و كلّ ذلك لعدم النظام
العدلى بينهم و كلّها استعارات بالكناية و وجه الاستعارة الاولى أنّ الورق كما
أنّه زينة الشّجر و به كماله كذلك لذّات الدّنيا و زينتها، و وجه الثّانية أنّ
الثمر كما أنّه مقصود الشجرة غالبا و غايتها كذلك متاع الدّنيا و الانتفاع به هو
مقصودها المطلوب منها لأكثر الخلق، و وجه الثّالثة أنّ الماء كما أنّه مادّة
الشجرة و به حياتها و قيامها في الوجود