و لما كان ملازمة هذه الامور الثلاثة
بأجمعها شاقّة صعبة في حقّ الأغلب من النّاس لا جرم رخّص لهم في طول الأمل بقوله (فان عزب) و بعد
(ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم و لا تنسوا عند النّعم شكركم) يعنى أنّكم إن لم تتمكّنوا من الاتيان بالامور الثلاثة فلا محالة لا
تتركوا الاثنين إذ ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، و إنما رخّص في ترك طول الأمل و
لم يرخّص في ترك الشّكر أو الورع لأنّ طول الأمل ليس محرما بالذّات و إن كان ينجرّ
إلى المحرم احيانا بخلاف الكفران و التّقحم في المحارم، فانّهما محرّمان بالذّات و
التّرخيص فيهما موجب للاغراء بالقبيح.
ثمّ اكد
ملازمة الزّهادة و علل لزومها بقوله (فقد أعذر اللّه اليكم بحجج مسفرة و كتب
بارزة العذر واضحة) يعنى أظهر عذره إليكم في تعذيبكم لو خالفتم تكاليفه
باقامة الحجج الظاهرة المضيئة و إنزال الكتب الواضحة التي أبرز فيها عذره،
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، و لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
أو أنّه
سبحانه أزال عذره باقامة البراهين العقليّة و النقلية و الحجج الباطنيّة و
الظاهرية فلم يبق لكم مقام للاعتذار و أن تقولوا يوم القيامة رَبَّنا لَوْ لا
أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ
نَخْزى.
تبصرة
ينبغي أن
نشير الى بعض ما ورد في فضيلة صفة الزهادة و ذمّ نقيضها أعنى الرغبة من الآيات و
الأخبار و نردف ذلك بذكر اقسام الزّهد.