إذا عرفت ذلك
فأقول: إنّ قوله 7 بارزة العذر صفة للكتب مسند إلى ضمير موصوفه تأويلا،
و قوله واضحة صفة أيضا لكنها مسندة إلى الضمير حقيقة أو محذوفة الفاعل بقرينة
المذكور و لذلك وافقتا مع الموصوف في الاعراب و التأنيث و التّنكير و انّما اتى
بهما مفردا إمّا باعتبار فاعلهما أو باعتبار تأويل الموصوف بالمفرد فافهم.
المعنى
اعلم أنّ
مقصوده بهذه الخطبة بيان معنى الزّهد و التنبيه على لزومه لكونه من عظائم مكارم
الصالحين و جلايل صفات المتّقين و عمدة مقامات السالكين إلى اللّه تعالى بقدمي
الطاعة و اليقين، و الرّغبة ضدّه و الأوّل من جنود العقل و الثّاني من جنود الجهل
و قد فسّره بقوله (أيّها النّاس الزّهادة قصر الامل و الشّكر عند النّعم و الورع عن
المحارم) و هذه الثّلاثة من لوازم الزّهد فيكون تعريفا بالخاصّة المركبة و
إنّما قلنا إنّها من لوازمه لأنّ الزّهد في الحقيقة عبارة عن اعراض النّفس عن
الدّنيا و إقبالها إلى الآخرة، و من هنا قيل إنّه جعل القلب حيّا بمشاهدة أحوال
الآخرة و ميّتا في طمع الدّنيا، و من المعلوم أن إعراض النّفس عن الدّنيا مستلزم
لقصر الأمل فيها، و الاقبال إلى الآخرة مستلزم للشّكر إذ الكفران موجب للعذاب باعث
للسّخط و العقاب كما قال تعالى:
وَ لَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ.
و كذلك يلزمه
الورع عن المحارم و الكفّ عنها إذ لا ينال ما عند اللّه إلّا بالورع قال الصّادق
7 في رواية الوسايل: عليكم بالورع فانّه الدّين الذي نلازمه و ندين
اللّه تعالى به و نريده ممّن يوالينا لا تتعبونا بالشّفاعة.
و في حديث
أبي ذر قال رسول اللّه 6: يا أبا ذر من لم يأت يوم
القيامة بثلاث فقد خسر، قلت: و ما الثلاث فداك أبي و امّي؟ قال: ورع يحجزه عمّا
حرّم اللّه عزّ و جلّ عليه، و حلم يردّ به جهل السّفيه، و خلق يدارى به النّاس،
هذا.