فاليه
الاشارة بقوله (اللهمّ داحي المدحوّات) أى باسط الأرضين السّبع المبسوطة، و
وصفها بالبسط لا ينافي كرويّتها إذ بسطها باعتبار سطحها البارز الذي هو مسكن
الحيوان فانّه في الأوهام سطح مبسوط و إن كان بالاعتبار العقلي محدّبا و إلى ذلك
ينظر قوله سبحانه:
(و داعم
المسموكات) أى حافظ السّماوات المرفوعة بالدّعامة التي هي القدرة على ما مرّ
تحقيقه في شرح الفصل الثّامن من فصول الخطبة الاولى (و جابل القلوب
على فطرتها شقيّها و سعيدها) أراد كونه سبحانه خالق شقىّ القلوب و سعيدها
على فطراتها الأصليّة المكتوبة في اللوح المحفوظ، و المراد بالقلوب النّفوس.
و أهل العرفان
كثيرا ما يعبّرون عن النّفس بالقلب، و بالسّعادة ما يوجب دخول الجنّة و النّعمة
الدّائمة و اللذة الأبدية، و بالشّقاوة ما يوجب دخول النّار و العقوبات الأبديّة و
الآلام الدّائمة.
فمحصّل
المعنى أنه خالق النّفوس و موجدها في الخارج موافقا لفطراتها التي كتبت في الألواح
السّماويّة قبل خلق الخلق و قدّرت أنّها من أهل الجنّة أو من أهل النّار موافقا
لعلمه سبحانه التّابع لما يختارونه بعد وجودهم و تكليفهم بارادتهم و اختيارهم.
و إلى هذا
ينظر ما رواه في الكافي باسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه 7
قال: إنّ اللّه خلق السّعادة و الشقاوة قبل أن يخلق خلقه، فمن خلقه اللّه سعيدا لم
يبغضه أبدا و إن عمل شرّا أبغض عمله و لم يبغضه، و إن كان شقيّا لم يحبّه أبدا و
إن عمل صالحا أحبّ عمله و أبغضه لما يصير إليه فاذا أحبّ اللّه شيئا لم يبغضه أبدا
و إذا أبغض شيئا لم يحبّه أبدا.