و قال
الشّارح البحراني: و لمّا كانت الآخرة عبارة عن الدّار الجامعة للأحوال التي يكون
الانسان عليها بعد الموت من سعادة و شقاوة و لذّة و ألم، و كان تقضّي العمر مقرّبا
للوصول إلى تلك الدّار و الحصول فيما يشتمل عليه من خير أو شرّ، حسن إطلاق لفظ
الاقبال عليها مجازا ثمّ نزّلها لشرفها على الدّنيا في حال إقبالها منزلة عال عند
سافل فأسند إليها لفظ الاشراف، و لأجل إحصاء الأعمال الدّنيوية فيها منزلة عالم
مطلع فاطلق عليها لفظ الاطلاع.
أقول: و الى
هذا المعنى اشير في الحديث القدسي: يابن آدم الموت يكشف أسرارك و القيامة يتلو
أخبارك، و الكتاب يهتك استارك الحديث.
ثمّ نبّه على
وجوب التهيّأ بذكر ما يسير إليه و هو الجنّة و ما يصار إليه و هو النّار بقوله:
مجاز (ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السّباق) أراد باليوم مدّة
العمر الباقية و أطلق اسم المضمار عليها باعتبار أنّ الانسان في تلك المدّة يستعدّ
بالتّقوى و العمل الصالح للسّبقة إلى لقاء اللّه و التّقرّب إلى حضرته كما أنّ
الفرس يستعدّ بالتّضمير إلى سبق مثله.
كنايه و كنى
بالغد [غدا السباق] عمّا بعد الموت و أطلق اسم السباق عليه باعتبار أنّ أفراد
النّاس لمّا كانت متفاوتة في حبّ الدّنيا و الاعراض عنها، و ذلك التّفاوت كان
موجبا للقرب و البعد و السّبق و اللحوق في الدار الآخرة، فكان السّباق هناك.
بيان ذلك أنّ
من كان أكثر استعدادا و أقطع لعلايق الدّنيا عن قلبه لم يكن له بعد الموت عايق عن
الوصول إلى اللّه و مانع عن إدراك رضوان اللّه.
و من اشرب
قلبه حب الدّنيا و افتتنت بها لا يمكن له الوصول الى درجات السّابقين الأوّلين و
النيل الى مراتب المقرّبين، و من كان أقلّ استعدادا من هؤلاء و أشدّ علاقة للدنيا،
كان من التّالين المقصّرين كما قال 7 في بعض كلماته السّالفة:
ساع سريع نجى
و طالب بطىء رجى و مقصّر في النّار هوى و السّبقة الجنّة يستبق اليها
السّاع السّريع و الغاية النّار يصير اليها التّالى الوضيع.