و ملاحظة جلاله عارفا بأنّ المسير و
المنقلب إليه سبحانه، يكون الحسّ تابعا له لا محالة لكونه رئيس الأعضاء و الحواسّ،
فلا يكون له حينئذ التفات إلى الغير و توجه من طريقه إلى أمر آخر (و أراق دموعهم خوف المحشر) و
هول المطلع فانّ بين الجنّة و النّار عقبة لا يجوزها إلّا البكاءون من خشية اللّه
كما رواه في عدّة الدّاعي و فيه أيضا عن الصادق 7 كلّ عين باكية يوم
القيامة إلّا ثلاث عيون: عين غضّت عن محارم اللّه، و عين سهرت في طاعة اللّه، و
عين بكت في جوف الليل من خشية اللّه.
و عنه 7 ما من شيء إلّا و له كيل أو وزن إلّا الدّموع فانّ القطرة يطفي بحارا من
النّار، فاذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق[1]
قتر و لا ذلّة، فاذا فاضت حرّمه اللّه على النّار و لو أنّ باكيابكى في امّة
لرحموا.
و عن رسول
اللّه 6 إذا أحبّ اللّه عبدا نصب في قلبه نائحة من
الحزن فانّ اللّه يحبّ كلّ قلب حزين و أنّه لا يدخل النّار من بكى من خشية اللّه
تعالى حتّى يعود اللّبن إلى الضّرع، و أنّه لا يجتمع غبار في سبيل اللّه و دخان
جهنّم في منخري مؤمن أبدا و إذا أبغض اللّه عبدا جعل قلبه مزارا «مزمارا» من
الضّحك و إنّ الضّحك يميت القلب و اللّه لا يحبّ الفرحين.
و كيف كان (فهم بين
شريد نادّ) أى نافر عن الخلق و منفرد عنهم و متوّحش منهم إمّا لكثرة أذى
الظالمين في الأوطان، لانكاره المنكر أو لقلّة صبره على مشاهدة المنكرات (و خائف
مقموع و ساكت مكعوم) كان التّقية سدّت فاه من الكلام (وداع مخلص) للّه في
دعائه (و ثكلان موجع) إمّا لمصابه في الدّين أو من كثرة أذى
الظالمين.
و في البحار
و لعلّ المعنى أنّ بعضهم ترك الأوطان أو مجامع النّاس لما ذكر، و بعضهم لم يترك
ذلك و ينكر منكرا، ثمّ يخاف ممّا يجرى عليه بعد ذلك و منهم من هو بينهم و لا
ينهاهم تقيّة و معرض عنهم و مشتغل بالدّعاء، و منهم من هو