متضمّن
للتّنفير عن الدّنيا و التّحذير منها و النّهى عن عقد القلب عليها و الأمر
بالرّحيل عنها، و إليه أشار بقوله (ألا و إنّ الدّنيا قد تصرّمت) اى انقطعت (و آذنت
بانقضاء) قد مضى في شرح الخطبة الثّامنة و العشرين و الخطبة الثّانية و
الأربعين ما يوضح معنى هذه الفقرة من كلامه 7، فان رجعت إلى ما ذكرناه
هناك تعرف أنّ مراده 7 من تصرّم الدّنيا و انقطاعها هو تقضى أحوالها
الحاضرة شيئا فشيئا و أنّ المراد من إعلامها بالانقضاء هو الاعلام بلسان الحال على
ما مرّ تفصيلا.
(و تنكّر
معروفها و أدبرت حذاء) و هى اشارة إلى تغيّرها و تبدّلها و سرعة انقضائها و
ادبارها حتّى أنّ ما كان منها معروفا لك يصير في زمان يسير مجهولا عندك و ادنى ما
هو شاهد على ذلك هو حالة شبابك الذي كنت انس إليه متبهجا به كيف طرء عليها المشيب
في زمان قليل:
فولّى الشّباب كأن لم يكن
و حلّ المشيب كأن لم يزل
كأنّ المشيب كصبح بدا
و أمّا الشّباب كبدر أفل
(فهى تحفز بالفناء سكّانها) اى تعجلهم و
تسوقهم أو تطعنهم برماح الفناء و تدفعهم من خلفهم حتّى توقعهم في حفرتهم (و تحدو
بالموت جيرانها) حتّي توصلهم إلى دار غربتهم، أفلا ترى إلى السّلف الماضين و الأهلين
و الأقربين كيف توالت عليهم السّنون و طحنتهم المنون و فقدتهم العيون، أو لا ترى
إلى الملوك و الفراعنة و الأكاسرة و السّياسنة كيف انتقلوا عن القصور و ربات
الخدور إلى ضيق القبور.