و أمّا الرّابع ففيه أنّ التّقديم إمّا
أنّه كان بفعل جميع المكلّفين أو بفعل البعض و الاول ممنوع لما قد عرفت في شرح
الخطبة الشّقشقية من تخلّف وجوه الصّحابة عن البيعة و عرفت هناك أيضا قول الشّارح
بأنّه لو لا عمر لم يثبت لأبي بكر أمر و لا قامت له قائمة و الثاني لا حجيّة فيه،
هذا مضافا إلى أنّه كيف يمكن أن يخفى عليه 7 ما لم يخف على غيره من
وجوه المصلحة التّي لا حظوها في التّقديم على زعمك، إذ قد ذكرنا أنّه لو علم
المصلحة في ذلك لسكت و لم يتظلّم.
فان قيل: انّ
هذا يجري مجرى امرأة لها اخوة كبار و صغار فتولّى أمرها الصغار في التزويج فانّه
لا بدّ أن يستوحش الكبار و يتشكّوا من ذلك.
قيل: إنّ
الكبير متى كان دّينا خائفا من اللّه فانّ استيحاشه و ثقل ما يجري على طبعه لا
يجوز أن يبلغ به إلى إظهار الكراهة للعقد و الخلاف فيه و ايهام أنّه غير ممضى و لا
صواب، و كلّ هذا جرى من أمير المؤمنين فيكشف ذلك كلّه عن عدم المصلحة في تقدّم
الغير عليه بوجه من الوجوه.
ثمّ إنّ ما
حكاه من شيخه أبي القاسم البلخى و بنا عليه مذهبه من أنّه صاحب الخلافة و مالك
الأمر إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها و إذا أمسك عنها وجب القول
بعدالة من غضي لها:
فيه أنّ
الشرطية الاولى مسلّمة و المقدّم فيها حقّ فوجب القول بتفسيق المنازعين و الدّليل
على طلبه 7 لها واضح لمن له أدنى تتبّع في الأخبار، و يكفى في ذلك قوله
في الخطبة التي رواها الشّارح المعتزلي في شرح كلامه لما قلّد محمّد بن أبي بكر
المصر، و قد مضت روايتها منّا في شرح الخطبة السّادسة و العشرين و هو قوله 7: ثمّ قالوا هلمّ فبايع و إلّا جاهدناك، فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا،
فقال قائلهم: يابن أبي طالب انك على هذا الأمر لحريص، فقلت أنتم أحرص منّي و أبعد
أيّنا أحرص أنا الذي طلبت تراثي و حقّي الذي جعلني اللّه و رسوله أولى به، ام أنتم
تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه، فبهتوا و اللّه لا يهدي القوم الظالمين
إلى آخر ما مرّ.