و لما كان الخفض
علامة القوّة و عدم المبالات حسن إردافه بقوله (و أعلاهم فوتا) إذ لا شكّ
أنّ من كان أشدّ ثباتا و قوّة كان أشدّ تقدّما و سبقة إلى مراتب الكمال و السّعادة
حائزا قصب السّبق في مضمار البراعة استعاره (فطرت بعنانها و
استبددت برهانها) الضّميران راجعان إلى الفضايل النّفسانية و الكمالات المعنوّية و ان
لم يجر لها ذكر لفظىّ في الكتاب.
قال الشّارح
البحراني: استعار ههنا لفظ الطيران للسّبق العقلى لما يشتركان فيه من معنى السّرعة
و استعار لفظي العنان و الرّهان الّذين هما من متعلّقات الخيل للفضيلة التي
استكملها نفسه تشبيها لها مع فضايل نفوسهم بخيل الجلبة و وجه المشابهة أن الصّحابة
لما كانوا يقتنون الفضايل و يستبقون بها إلى رضوان اللّه و سعادات الآخرة كانت
فضايلهم التّي عليها يستبقون كخيل الرّهان، و لما كانت فضيلته أكمل فضايلهم و
أتمّها كانت بالنّسبة إلى فضايلهم كالفرس لا يشقّ غباره فحسن منه أن يستعير لسبقه
بها لفظ الطيران و يجرى عليها لفظ العنان و الرّهان
و الفصل
الثاني مشتمل على ذكر حاله في زمن الخلافة
و حين
انتهائها إليه 7 يقول كنت لما وليت الأمر (كالجبل) العظيم في
الثّبات على الحقّ و الوقوف على القانون العدل فكما (لا تحرّكه) الرّياح (القواصف) عن مكانه (و لا
تزيله) الزّعازع (العواصف) عن مقامه فكذلك أنا لا يحرّكني عن سواء
السّبيل و عن الصّراط المستقيم مراعاة هوى النّاس و متابعة طباعهم المايلة إلى
خلاف ما يقتضيه السّنة النّبويّة و الأوامر الالهيّة.
و حاصله أنّه
لا يأخذني في اللّه لومة لايم (ليس لأحد في مهمز و لا لقائل في مغمز) أى لا يسع
لأحد أن يعيب علىّ و يطعن فيّ في الغيبة و الحضور في شيء من الحلال و الحرام و
الحدود و الأحكام كما عابوا على من كان قبلى من المتخلّفين لأحداث