ثمّ قال: و إنّ ورائكم الساعة تحدوكم أى
تسوقكم، و إنّما جعلها ورائنا لأنّها إذا وجدت ساقت النّاس إلى موقف الجزاء كما
يسوق الرّاعي الابل، فلمّا كانت سائقة لنا كانت كالشيء يخفر الانسان من خلفه و
يحرّكه من ورائه إلى جهة ما بين يديه انتهى و فيه أنّ الجملة الخبريّة على ما
حقّقها الأصوليّون حقيقة فيما تلبّس المبتدأ بالخبر في الحال، و استعمالها فيما لم
يتلبّس به بعد مجازا إتّفاقا لا يصار إليه إلّا بقرينة، و على ذلك فجعل كون
السّاعة ورائنا بمعنى أنّها تكون ورائنا إذا وجدت مجاز لا ينبغي ارادته إلّا
بقرينة ظاهرة، و هي في المقام مفقودة.
و قال القطب
الرّاوندي على ما حكى عنه الشّارح المعتزلي: معنى قوله:
فانّ الغاية
أمامكم، يعني أنّ الجنّة و النّار خلفكم، و معنى قوله: و رائكم السّاعة أى قدامكم
انتهى.
و هو أردء ما
ذكروه في شرح المقام أمّا أوّلا فلانّ الوراء بمعنى القدام و إن ورد إلّا أنّ
الأمام بمعنى الخلف لم يسمع من أحدكما ذكره الشّارح المعتزلي و ثانيا على تقدير
تسليم وروده بذلك المعنى أنّ التّعبير عن الخلف بالأمام و عن القدام بالوراء مع
ظهورهما في العكس ممّا يأبي عنه الذّوق السّليم و الطبع المستقيم، فيجب تنزيه كلام
الامام 7 الذي هو امام الكلام عنه.
و ثالثا أنّه
إذا جعل المراد بالغاية الجنّة و النّار فلا داعي إلى حمل الأمام بمعنى الخلف كما
هو ظاهر، بل إرادة المعنى الظاهر الذي هو نقيض الخلف أولى حسبما ذهب إليه الشّارح
المعتزلي و البحراني على ما قدّمنا ذكره هذا.
و أمّا قوله: (تخفّفوا
تلحقوا) فأصله أنّ الرّجل يسعى و هو غير مثقل بما يحمله فيكون أجدر أن يلحق
الذين سبقوه لأنّ التّخفيف و قطع العلايق في الاسفار سبب السّبق و الفوز بلحوق
السّابقين و كذلك الزهد فى الدنيا و تخفيف المؤنة فيها توجب اللّحوق بالسّالفين
المقرّبين، و الوصول إلى درجات أولياء اللّه الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و
ما أنسب بالمقام ما رواه المحدّث الجزائري عن سلمان الفارسي، و هو أنّه