لمّا بعث إلى المداين ركب حماره وحده،
فاتّصل بالمداين خبر قدومه، فاستقبله أصناف النّاس على طبقاتهم، فلمّا رأوه قالوا:
أيّها الشّيخ أين خلّفت أميرنا؟ قال:
و من أميركم؟
قالوا: الأمير سلمان الفارسي صاحب رسول اللّه، فقال لا أعرف الأمير و أنا سلمان و
لست بأمير، فترجلوا له و قادوا إليه المراكب و الجنائب، فقال: إنّ حماري هذا خير
لي و أوفق، فلمّا دخل البلد أرادوا أن ينزلوه دار الامارة قال: و لست بأمير، فنزل
على حانوت في السّوق، و قال ادعوا إليّ صاحب الحانوت، فاستأجر منه و جلس هناك يقضي
بين النّاس و كان معه وطاء يجلس عليه، و مطهرة يتطهّر بها للصّلاة، و عكازة يعتمد
عليها في المشى، فاتّفق أنّ سيلا وقع في البلد فارتفع صياح النّاس بالويل و العويل
يقولون: وا أهلاه و وا ولداه و وامالاه، فقام سلمان و وضع وطائه في عاتقه و أخذ
مطهرته و عكازته بيده، و ارتفع على صعيد، و قال:
هكذا ينجو
المخفّفون يوم القيامة.
و روى[1] عن الشّيخ و رام طاب ثراه أنّه
لمّا مرض سلمان مرضه الذي مات فيه أتاه سعد يعوده، فقال: كيف أنت يا عبد اللّه؟
فبكى فقال: ما يبكيك؟ فقال:
و اللّه ما
أبكي حرصا على الدّنيا و لا حبّالها، و لكن رسول اللّه 6 عهد إلينا عهدا فقال:
ليكن بلاغ
أحدكم من الدّنيا كزاد راكب، فأخشى أن نكون قد جاوزنا أمره و هذه الأساور[2] حولي، و ليس حوله إلّا مطهرة فيها
ماء، و إجانة و جفنة.
قال: و دخل
رجل عليه فلم يجد في بيته إلّا سيفا و مصحفا، فقال له: ما في بيتك إلّا ما أرى؟
قال: إنّ أمامنا عقبة كئودا، و إنّا قدّمنا متاعنا إلى المنزل أوّلا فأوّلا، و
قال: وقع الحريق فأخذ سلمان سيفه و مصحفه، و قال: هكذا ينجو المخفّفون.
ثمّ إنّه
7 لمّا أمرهم بالتخفيف و حثّهم على قطع العلايق علّله بقوله: استعاره (فانّما
ينتظر بأوّلكم آخركم) يعني إنّما ينتظر بالبعث الأكبر و القيامة الكبرى للذين