حكمته هذه
تتضمّن تحقيق أصلين هامّين من اصول الاسلام على وجازتها و عمقها العميق، فهنا
بحثان:
1- الوهم من
الحواسّ الباطنة و من القوى الفعّالة في وجود الانسان يشكّل في باطنه فضاء غير
متناه أعظم و أوسع من الفضاء اللّايتناهي الخارجي المحسوس فانّ الوهم يمثّل في
باطن الانسان هذه الفضاء مرّات و ألف مرّة و لا يضيق بها و لا يتعب، فالأعداد
اللّانهائي من الوهم و الأشكال الهندسي اللّانهائي من الوهم و خلاصة القول أنّه
كلّ مدرك له كم و بعد في باطن الانسان إن كان صورة لوجود عينيّ دخل فيه بواسطة
الحواسّ الظاهرة فهو خيال و حفظ، و إلّا فهو من الواهمة و حدّه أن يكون محدودا
بالكم أو الكيف، و موصوفا بالبعد خطا أو سطحا أو جسما فالوهم في باطن وجود الانسان
الصغير الجثّة أكبر العوالم المادّية، بل يصحّ أن يعبّر عنه بعالم اللّاتناهي في
اللّاتناهي، و التعدّد من منشات الوهم و يبدأ من عدد الواحد الّذي بعده الاثنان،
فالواحد العددي من عالم الوهم و لا يطلق على اللَّه كما لا يطلق عليه الاثنان و
الثلاث و هذا هو المقصود من قوله 7: واحد لا بالعدد، فاذا جاوزنا عن
عالم الوهم فلا يبقى إلّا الوحدة الحقة الصّرفة، و يتبيّن سرّ قوله 7:
(التوحيد
أن لا تتوهّمه).
فكلّ انحراف
في التوحيد الذاتى من الثنوية و التثليث و غيرهما و الوثنيّة و ما يشاكلها، ناش عن
الوهم، بل الانحراف في التوحيد الصفاتي كالقول بزيادة الصفات على الذات و وجود
المعاني في الذات كما اعتقده الأشاعرة، ناش عن الوهم أيضا لأنه مبنيّ على تصوّر
ذات معها صفة المستلزم للتعدّد الكمّي و هو من عالم الوهم أيضا.
فقوله 7: «التوحيد أن لا تتوهّمه» حدّ جامع مانع فلا سبيل إلى الاعتقاد