و نذكر هنا قصّة من صور الصدق في المواطن و المقاومة على وجه الباطل
من الشرح لابن أبى الحديد و نترجمها في ذيل التّرجمة فانها مفيدة جدا، قال الشارح
المعتزلي في الجزء «18 ص 144»:
و روى ابن
قتيبة في كتاب «عيون الأخبار» قال: بينما المنصور يطوف ليلا بالبيت سمع قائلا
يقول: اللّهم إليك أشكو ظهور البغي و الفساد و ما يحول بين الحق و أهله من الطمع،
فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد، و أرسل إلى الرّجل رسولا يدعوه، فصلّى ركعتين،
و استلم الركن، و أقبل على المنصور و سلّم عليه بالخلافة، فقال المنصور: ما الّذي
سمعتك تقوله من ظهور البغي و الفساد في الأرض و ما يحول بين الحقّ و أهله من
الطمع؟ فو اللَّه لقد حشوت مسامعى ما أرمضني، فقال يا أمير المؤمنين إن أمنتنى على
نفسي أنبأتك بالامور من اصولها، و إلّا احتجزت منك، و اقتصرت على نفسي فلي فيها
مشاغل، قال: أنت آمن على نفسك فقل فقال: إنّ الّذى دخله الطمع حتّى حال بينه و بين
إصلاح ما ظهر من البغى و الفساد لأنت، قال: ويحك، و كيف يدخلني الطمع و الصفراء و
البيضاء في قبضتي و الحلو و الحامض عندي، قال: و دخل أحد من الطمع ما دخلك إذ
اللَّه عزّ و جلّ استرعاك المسلمين و أموالهم، فأغفلت امورهم، و اهتممت بجمع
أموالهم، و جعلت بينك و بينهم حجبا من الجصّ و الاجر، و أبوابا من الحديد، و حجبة
مع السّلاح، ثمّ سجنت نفسك فيها منهم، و بعثت عمّا لك في جباية الأموال و جمعها، و
قويتهم بالسّلاح و الرجال و الكراع، و أمرت بأن لا يدخل عليك إلّا فلان و فلان،
نفر سميتهم، و لم تأمر بايصال المظلوم و الملهوف، و لا الجائع و الفقير، و لا
الضّعيف و العارى، و لا أحد ممن له في هذا المال حقّ، فما زال هؤلاء النفر الّذين استخلصتهم
لنفسك و آثرتهم على رعيتك و أمرت أن لا يحجبوا عنك يحبون الأموال و يجمعونها و
يحجبونها و قالوا: هذا رجل قد خان اللَّه، فما لنا لا نخونه، و قد سخرنا فائتمروا
على أن لا يصل إليك من أخبار النّاس شيء إلّا ما أرادوا، و لا يخرج لك عامل
فيخالف أمرهم إلّا بغّضوه عندك و بغوه الغوائل، حتّى تسقط منزلته و يصغر قدره،
فلمّا