(258) و
قال 7: النّاس في الدّنيا عاملان: عامل عمل في الدّنيا للدّنيا قد
شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلفه الفقر و يأمنه على نفسه، فيفني عمره في
منفعة غيره، و عامل عمل في الدّنيا لما بعدها فجاءه الّذي له من الدّنيا بغير عمل،
فأحرز الحظّين معا، و ملك الدّارين جميعا، فأصبح وجيها عند اللَّه، لا يسأل اللَّه
حاجة فيمنعه.
المعنى
قال الشارح
المعتزلي: معنى قوله: (و يأمنه على نفسه) أى لا يبالي أن يكون
هو فقيرا، لأنه يعيش عيش الفقراء.
أقول: الظاهر
أنّ معناه لا يبالي من فقر نفسه المعنوي، و عدم تحصيل زاد اخروي لما بعد موته.
قال ابن
ميثم: و قوله: (بغير عمل) أى للدّنيا، لأنّ العمل بقدر الضرورة من الدّنيا ليس من
العمل لها، بل للاخرة.
أقول:
الأعمال بالنيات، فمن عمل لوجه اللَّه و بقصد تحصيل الثواب فقد عمل للاخرة، سواء
كان بقدر الضرورة أو فوقها، فالمميّز بين العمل للدّنيا و العمل للاخرة هو نيّة
العامل و التطبيق على التكليف الإلهي، و لا اعتبار لصورة العمل، فربّ زارع و صانع
و محترف يعبد اللَّه بعمله، و يقرب اليه بكسبه، و ربّ مصلّى و صائم لا فائدة له
إلّا التعب و الجوع، لأنّه يصلّي و يصوم رياء و بقصد تحصيل الدّنيا.