الأنبياء و الأوصياء لاصلاح العباد و
عمران البلاد، و الغرض منه إعداد العقول، لتلقّى الأحكام و القوانين بالقبول، و
الاقبال عليها عن ظهر القلب.
و قد وصف
اللَّه تعالى القرآن بأنّه موعظة و شفاء لما في الصّدور فقال عزّ من قائل «58-
يونس-: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
فالحكومات
المتداولة بين الشعوب تضعون قوانين و تحملون عليها شعوبهم بالقهر، و النتائج
المقصودة من هذه القوانين حفظ النظام و الأمن في المجتمع، و لا يحتاج إلى تأثير في
القلوب أو تزكية للأرواح، لأنّ النظامات الاجتماعية في نظرهم كالامور المكانيكيّة،
و لا فرق في نظرهم بين صدور الأعمال من الماكينة الفاقدة للشعور أو الانسان،
فيبدلون من القوى الفاعلة البشرية بالات الكترونيّة، تعمل هذه الأعمال.
و لكنّ
الأنبياء و الرسل و الأوصياء يهتمّون باصلاح القلوب و العقول و يعتبرون الأعمال بالنّيات
و الرغبات، و تعرّضهم للقوانين بالنظر إلى حفظ النظام و الأمن إنّما هو عرضيّ و من
باب المقدّمة.
فعمدة مهمة
الشرائع الالهية إصلاح القلوب و جلب الأنظار إلى المصالح و المفاسد، ليقدم النّاس
على الأعمال بالطوع و الرغبة، و عن الشوق و النيّة.
و بهذا النظر
لا يتوسّل الأنبياء إلى القهر و الاخضاع إلّا من باب الدّفاع و كانوا يتحمّلون
مشاق الأذي في سبيل الدّعوة إلى طريق الهدى قال اللَّه تعالى «42- ق-: وَ ما
أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.
و قد تصدّى
عليّ 7 لموعظة كافة أهل الاسلام بمواعظ شافية كافية تشع أنوارها على
القلوب طيلة القرون الماضية و الغابرة، و قد تعرّض في هذه الموعظة للاشارة إلى
اصول الرذائل الّتي تكون مرضا للقلوب، و نبّه على معالجتها فنلخصها فيما يلي:
1- الاغترار
بسعة رحمة اللَّه و الطمع في ثواب اللَّه بغير عمل فقال: (لا تكن ممّن يرجو
الاخرة بغير عمل).