و هذه الحواس و الخصائص الإنسانيّة عظيمة
و ظريفة جدّا إلى غير النهاية و لكن لا يتوجّه إلى دقائقها أفكار اولئك الأعراب في
هذا العصر، و لا يستعدّون لدرك ما أودع في هذه الحواسّ من دقائق الصنع و لطائف
الخلقة الّتي ما زالت العلماء و البحاثة يتدارسونها و يبحثون عنها طيلة القرون
الماضية و الحاضرة و يعترفون بعدم الوصول إلى غورها.
فمسألة
الابصار من مسائل الحكمة الطبيعة من عهد فلاسفة يونان، و توجّه العلماء إليها إلى
الان، و اكتشفوا الطبقات السبعة للعين و ما فيها من المواد و النسوج و الأوردة و
الجلود، و لكن يتحيّرون في كيفيّة إدراك النّفس للصورة المنطبقة في عدسة العين.
كما أنّ
تأثّر عضلات اللّسان من إرادة المتكلّم بسهولة و مران لا يتوجّه إليه المتكلّم سرّ
لم ينكشف للعلماء الباحثين.
و هكذا نقل
أثر الارتجاجات القارعة على الصماخ فى النّفس الانسانيّة أمر مجهول للعلماء
الباحثين.
و هذا الثقب
الخيشومي الذى وسيلة لدخول الهواء دائما إلى الرّية من عجائب صنع اللَّه.
و قد استلفت
عليّ 7 نظر مستمعيه إلى ظاهرة هذه الحواسّ و الخواصّ و اختلاف مناحيها
و آلاتها المودعة فيها، فالنظر بظاهره ينبعث من الشحم المودع في
العين، و التكلّم يخرج من اللسان و الشفتين، و السمع يقع من عظمى الصماخين كما أنّ
التنفس يتحقّق من ثقب الأنف الذى هو داخل الخرم.
و من ناحية
اخرى ينبّه الانسان على ضعفه فى اصول حياته لينزله من مركب غروره و هناته، و يشير
إلى أنّ أعظم أركان وجوده قائم على امور خفيفة و مبان ضعيفة فمبدأ نظره الذى هو
نور وجوده و ضياء ديجوره الّذي لو سلب عنه اظلمت عليه الدّنيا و ما فيها، قطعة
صغيرة من الشحم الّذي لو عرض على أحد لا يشتريه بفلس و كلامه الّذي هو
قوام انسانيّته و مبدأ فخره على سائر أبناء جلدته الحيوانيّة