فأجلسه بين يديه على المرقاة الّتي تحت
مرقاته، و حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
أيّها الناس
إنّي قد عرفت نسبتنا أهل البيت في زياد، و من كان عنده شهادة فليقم بها- إلى أن
قال- فقام أبو مريم السلولي- و كان خمّارا في الجاهليّة- فقال:
أشهد يا أمير
المؤمنين أنّ أبا سفيان قدم علينا بالطائف، فأتاني فاشتريت له لحما و خمرا و طعاما،
فلمّا أكل قال: يا أبا مريم، أصب لي بغيّا فخرجت، فأتيت بسميّة فقلت لها: إنّ أبا
سفيان ممّن قد عرفت شرفه و جوده، و قد أمرني أن اصيب له بغيا، فهل لك؟ فقالت: نعم،
يجيء الان عبيد بغنمه- و كان راعيا- فإذا تعشّى و وضع رأسه أتيته فرجعت إلى أبي
سفيان فأعلمته، فلم تلبث أن جاءت تجرّ ذيلها، فدخلت معه، فلم تزل عنده حتّى أصبحت،
فقلت له لمّا انصرفت: كيف رأيت صاحبتك؟ قال: خير صاحبة، لو لا ذفر في إبطيها.
و ربّما طال
مصاحبة أبي سفيان مع سميّة حتّى عرف ذلك و أنّه كان كثيرا يزور الطائف للبغى و
المصاحبة مع بغاتها كما يدلّ عليه ما تقدّم من شعره:
و قد طالت مجاملتي ثقيفا
و تركي فيهم ثمر الفؤاد
ثمّ إنّه 7 تذكّر في كتابه ما أظهره أبو سفيان في زمان عمر، و وصفه
بأنه فلتة من حديث النفس و نزغة من نزغات الشيطان، و يحتمل
كلامه 7 وجهين:
1- أنّ زعمه كون زياد منه لا أصل
له، و إنّما هو صرف حديث نفس بلا رويّة و تخيّل شيطانيّ كاذب لا أصل له.
2- أنّ إظهار
هذه الحقيقة فلتة و كلام بلا رويّة و استلحاق زياد بمجرّد كونه من مائه نزغة من
نزغات الشيطان لأنّ الماء من الزنا لا يثبت به النسب كما صرّح به النّبيّ
6 «الولد للفراش و للعاهر الحجر».
و كأنّ زيادا
حمل كلامه 7 على الوجه الثاني حيث استفاد منه إثبات كونه متكوّنا من
ماء أبي سفيان فقال: شهد بها و ربّ الكعبة، و لكنّ الظاهر منه
هو الأوّل و الظاهر أنّ شهادة أبى مريم السلولي شهادة زور زوّره معاوية و حمّلها
عليه أو زوّرها هو طمعا في التقرّب و العطاء و كان أبو بكر أخو زياد