فإنّي
أوصيك بتقوى اللَّه- أى بنيّ- و لزوم أمره، و عمارة قلبك بذكره، و الاعتصام بحبله،
و أيّ سبب أوثق من سبب بينك و بين اللَّه إن أنت أخذت به؟! أحي قلبك بالموعظة، و
أمته بالزّهادة، و قوّه باليقين، و نوّره بالحكمة، و ذلّله بذكر الموت، و قرّره
بالفناء، و بصّره فجائع الدّنيا، و حذّره صولة الدّهر، و فحش تقلّب اللّيالي و
الأيّام، و اعرض عليه أخبار الماضين، و ذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين، و
سر في ديارهم و آثارهم، فانظر فيما فعلوا و عمّا انتقلوا، و أين حلّوا و نزلوا،
فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة، و حلّوا دار الغربة، و كأنّك عن قليل قد صرت
كأحدهم فأصلح مثواك، و لا تبع آخرتك بدنياك، و دع القول فيما لا تعرف، و الخطاب
فيما لم تكلّف، و أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلالة خير
من ركوب الأهوال و أمر بالمعروف تكن من أهله، و أنكر المنكر بيدك و لسانك و باين
من فعله بجهدك، و جاهد في اللَّه حقّ جهاده، و لا تأخذك