فأمّا قوله: تركت دار الهجرة، فلا عيب
عليه إذا انتقضت عليه أطراف الاسلام بالبغي و الفساد أن يخرج من المدينة إليها، و
يهذّب أهلها، و ليس كلّ من خرج من المدينة كان خبثا، فقد خرج عنها عمر مرارا إلى
الشام، ثمّ لعليّ 7 أن يقلب عليه الكلام فيقول له: و أنت يا معاوية قد
نفتك المدينة أيضا عنها، فأنت إذا خبث، و كذلك طلحة و الزبير و عائشة الّذين
تتعصّب لهم و تحتجّ على الناس بهم، و قد خرج من المدينة الصالحون، كابن مسعود و
أبي ذرّ و غيرهما و ماتوا في بلاد نائية عنها.
و أمّا قوله:
بعدت عن حرمة الحرمين، و مجاورة قبر رسول اللّه 6، فكلام
إقناعيّ ضعيف، و الواجب على الامام أن يقدّم الأهمّ فالأهمّ من مصالح الاسلام، و
تقديم قتال أهل البغى على المقام بين الحرمين أولى.
و أمّا ما
ذكره من خذلانه عثمان و شماتته به و دعائه الناس بعد قتله إلى نفسه و إكراهه طلحة
و الزبير و غيرهما على بيعته، فكلّه دعوى و الأمر بخلافها و من نظر كتب السير عرف
أنّه بهته و ادّعى عليه ما لم يقع منه.
و أمّا قوله:
التويت على أبي بكر و عمر، و قعدت عنهما، و حاولت الخلافة بعد رسول اللّه 6 فانّ عليّا 7 لم يكن يجحد ذلك و لا ينكره، و لا ريب
أنّه كان يدّعي الأمر بعد رسول اللّه 6 لنفسه على الجملة،
إمّا لنصّ كما تقوله الشيعة أو لأمر آخر كما يقوله أصحابنا.
أمّا قوله:
لو وليتها حينئذ لفسد الأمر و اضطرب الاسلام، فهذا علم غيب لا يعلمه إلّا اللّه، و
لعلّه لو ولّيها حينئذ لاستقام الأمر و صلح الاسلام و تمهّد.
أقول: لا وجه
للتعبير هنا بلعلّه بل هو المحقّق، فانّ الفساد و الاضطراب نشأ من نقض عهد ولايته
7 حيث إنّ قبائل العرب الحاضرين في غدير خمّ السامعين لقول النبيّ 6 «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» و الواعين لقوله «يا عليّ أنت
منّي بمنزلة هارون من موسى» لا يشكّون في أنّ القائم بالأمر بعده هو عليّ 7.
و لكن لمّا
رأوا و سمعوا أنّ أكثر أصحاب النبيّ من المهاجرين و الأنصار