قال ابن ميثم: و ذلك كما شوهد في وقتنا
أنّ تاجرا كان رأس ماله سبعة عشر دينارا فسافر بها إلى الهند مرارا حتّى بلغت سبعة
عشر ألفا فعزم حينئذ على ترك السّفر و الاكتفاء بما رزقه اللّه، فسوّلت له نفسه
الأمّادة بالسّوء في العود و حبّبت إليه الزّيادة فعاود السّفر فلم يلبث أن خرجت
عليه السّراق في البحر فأخذوا جميع ما كان معه، فرجع و قد حرب ماله، و ذلك ثمرة
الحرص المذموم.
ثمّ تعرّض
7 للوصيّة بحفظ كرامة النفس و الاحتفاظ بالشخصيّة الّتي هي شرف وجود
الانسان و امتيازه عن سائر أنواع الحيوان فقال 7: (و أكرم نفسك عن
كلّ دنيّة و إن ساقتك إلى الرغائب) و يندرج في وصيّته هذه الأمر بحفظ الحريّة و
الاستقلال في عالم البشريّة الّتي هي لبّ الدّيمو قراطيّة في الاجتماع الانسانى و
أشار إلى أنّ النفس أعزّ و أعلى من كلّ شيء فلا قيمة له بوجه من الوجوه و
أكّد ذلك بقوله 7 (و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك اللّه حرّا).
ثمّ أشار إلى
أنّ آفة الحريّة الطمع فحذّر منه أشدّ الحذر و في التشبث بالوسائط نوع من الضعف
في الاستقلال و الحرّية فقال 7 (و إن استطعت أن لا يكون بينك و بين
اللّه ذو نعمة فافعل).
ثمّ سرد
أنواعا من الفضائل و حثّ على اكتسابها، و أنواعا من الرّذائل و وصّى الاجتناب
عنها، فمن الفضائل: الصّمت، و حفظ المال، و تكلّف الحرفة و من
الرّذائل: إظهار الحاجة إلى الناس، و تحصيل الغنى بالفجور و كثرة
الكلام.
و من
الفضائل: الفكر و مصاحبة أهل الخير، و من الرّذائل مصاحبة أهل الشرّ و الظلم
بالضعيف، و جرّ 7 كلامه إلى الوصيّة بحفظ روابط الودّ مع
الأحبّاء و الأقرباء فانّه اسّ الاجتماع و التعاون المفيد في الحياة، فقال 7:
(احمل نفسك
من أخيك عند صرمه على الصّلة) و بيّن كلّ ما يمكن أن يصير سببا لقطع رابطة
الاخاء وفت عضد المحبّة و الاجتماع و أراه دواءه الناجع النافع فدواء الإعراض
الاقبال و المقارنة باللّطف، و دواء المنع عن العطاء هو البذل عليه و
دواء التباعد الناشي عنه هو التقارب و الدّنوّ منه، و دواء شدّته و صولته هو
اللّين