من توجّه عموم الناس إلى بابه، و من
انقياد الامراء و الحكّام و الضابطين إلى جنابه، و من ورود سيل الخراج و الأموال و
الغنائم من شتّى نواحى البلاد الاسلاميّة تحت يده، فمن هو الرجل الّذي لا يغرّ
بهذه المظاهر الفتّانة الدنيويّة و يقدر على ضبط نفسه عن التأثّر بها و الافتتان منها،
فكان 7 يلقّن بهذه الجمل النافذة كره الدنيا و كيدها و غرورها و
عواقبها على نفسه و على قلوب أعوانه و حكّامه و يطرد الدنيا عن حوله و عن فنائه
بقوله 7: (إليك عنّي يا دنيا) فأنت مطلّقة عنّي لا سبيل لك إليّ، و يهدّدها أشدّ التهديد بأنّها لو كانت جسما
محسوسا كالواحد من البشر يقيم عليها الحدّ و يعرضها للمجازات بما ارتكبته من
الخلاف في حقّ ذويها:
1- بجرم
التغرير و إرائة ما لا واقع له لطلّابها فكانت مدلّسة يتوجّه إليها مجازات
التدليس.
2- التسبيب
إلى الهلاك و التلف لأبنائها و جرّهم إلى موارد البلاء و الدّمار.
ثمّ بيّن
أنّه لا نجاة لمن غرّبها و صار في طلبها فليس لها إلّا مزالق هائلة و لجج مهلكة،
فمن سلم عنها فهو على طريق النجاة، و إن ضاق عليه أمر الدنيا، فانّ الدنيا لمحة
يسيرة تنصرم عاجلا و يفوز المؤمن السالم فيها عن مكائدها إلى الفوز الأبد و الراحة
الطويلة.
ثمّ يبيّن
7 سيرته في معيشة الدنيا مقرونا بالحلف باللّه تعالى في التمسّك
بالرياضة و تقليل الطعام إلى حيث يفرح نفسه بأكل قرصة من الشعير لسدّ جوعتها و
تقنع بالملح للإدام، و مع ذلك يبكى من خشية اللّه و موقف الحساب إلى حيث ينضب عينه
من الدموع، و أشار إلى أنّ النفس الانسانيّة أشرف من الاقتداء بالبهائم من الابال
و البقر و الغنم في الأكل و طلب الراحة، فلا بدّ من حفظ الامتياز، و هو ملازمة
الجوع و الخوف من اللّه و العبادة في جوف الليل، و الهمهمة بذكر اللّه بالشفاه، و
غسل الذنوب بالاستغفار في باب اللّه.