و أمّا تقديم وصف العبودية على الوصف
بالرّسالة في كلمة الشّهادة، فلأن مقام العبوديّة متقدّم على مرتبة الرّسالة كما
يشهد به ما رواه في الكافي عن زيد الشحام، قال: سمعت أبا عبد اللّه 7
يقول: إن اللّه تبارك و تعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيا و إن اللّه
اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و إنّ اللّه اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا، و
إنّ اللّه اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً
قال فمن عظمها في عين ابراهيم:
قالَ وَ
مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال لا يكون السّفيه
إمام التّقى، و مثله أخبار اخر و يأتي تحقيق الكلام فيها عند الكلام على مسألة
الامامة في مواضعها اللّايقة إنشاء اللّه.
ثمّ أشار
7 إلى تعظيم الرّسول 6 بما جاء به فقال (أرسله
بالدين المشهور) أى بين الامم الماضية و القرون الخالية (و العلم المأثور) توكيد
للفقرة الاولى و أشار به إلى كون ذلك الدين علما يهتدى إلى حظيرة القدس التي يطلب
السّلوك إليها، و كونه مأثورا إشارة إلى كون ذلك الدين مختارا على ساير الأديان،
أو أنّه مأثور منقول من قرن الى قرن و يهتدى به قوم بعد قوم (و الكتاب
المسطور) بقلم النّور على اللّوح المحفوظ قبل وجود الأنفس و الآفاق، و
المكتوب على الأوراق و الصّفحات بعد تلبّسه بلباس الحروف و جلباب الأصوات (و النّور
السّاطع و الضياء اللّامع) يحتمل أن يكون المراد بهما الكتاب فيكون
العطف للتوكيد قال تعالى:
قَدْ
جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ
اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ فهو نور عقلي ينكشف به أحوال المبدأ و المعاد و يتراءى منه حقايق
الأشياء و ضياء يهتدى به في ظلمات برّ الأجسام و بحر النّفوس، و يظهر به للسّالكين
إلى الدّار