وجه الاستدلال أنّ وجوب شيء عبارة عن
ترتب العقاب على مخالفته، و حيث انتفى العقاب قبل الشّرع بحكم الآية انتفى الوجوب.
و أجيب عنه
أوّلا بالتّخصيص بالمستقلّات العقليّة فيختصّ حكم الآية بغير المستقلّات و يكون
المراد، و ما كنّا معذّبين في الأعمال التي لا سبيل إلى معرفتها إلّا بالشّرع إلّا
بعد مجيء الشّرع، و التّخصيص و إن كان خلاف الظاهر إلّا أنّه يجب ارتكابه عند
قيام الدّليل عليه، و قد قام الدّليل على حكم العقل في الجملة حسبما تعرفه.[1] و ثانيا بجعل الرّسول أعمّ من
الظاهر و الباطن، أمّا الظاهر فهو الأنبياء، و أما الباطن فهو العقل بل هو الرّسول
الذي لولاه لما تقرّر رسالة أحد من الأنبياء و لزم إفحامهم، و ذلك لأنّه إذا جاء
المشّرع و ادّعى كونه نبيّا من عند اللّه تعالى و أظهر المعجزة على طبق دعواه،
فامّا أن يجب على المستمع استماع قوله و النّظر إلى معجزته أولا، و على الثّاني
فقد بطل القول بالنبوة و لزم الافحام، و على الأوّل فامّا أن يكون وجوبه بالعقل أو
بالشّرع، فان وجب بالعقل فقد ثبت المدّعى و هو كون العقل حاكما، و إن وجب بالشّرع
فهو باطل لأنّ الشّرع إمّا أن يكون هو ذلك المدّعي أو غيره، و الأوّل باطل، لانّه
يرجع حاصل الكلام إلى أن ذلك المدّعي يقول: الدّليل على وجوب قبول قولي هو قولي
إنّه يحب قبول قولي و هذا إثبات للشيء بنفسه و بعبارة اخرى وجوب النّظر إلى
معجزته و استماع قوله يتوقف على حجية قوله مع أنّ حجّيته موقوفة على النّظر، و
الثّاني أيضا باطل، لأنّ الكلام فيه كالكلام في الأوّل، و لزم إمّا الدّورأ و
التسلسل، و هما محالان.
و ثالثا أنّ
نفى التعذيب لا يلازم عدم الوجوب إذ الواجب ما يستحقّ فاعله العقاب لا ما يترتّب
عليه العقاب فعلا، لجواز سقوطه بعفو أو شفاعة، و ربّما اورد عليه بأنّ العفو عن
ترك جميع الواجبات و فعل المحرّمات إلى زمان البعث و كون الآية إخبارا عن ذلك
مستلزم لالغاء الايجاب و التّحريم، إذ المقصود منهما فعل الواجب و ترك