و ذلك من جهة أنّ أزمّة الأمور كلّها
بيده جلّ شانه، فلا يقع شيء منها إلّا بايجاده و إذنه و كلّ من سواه مفتقر إليه،
و من ذلك صحّ الاستغناء به عن غيره في جميع الامور و كلّ الأحوال، و استحال
الاستغناء عنه في شيء منها قال تعالى:
يا
أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ و المراد بغناه هو الغنى المطلق الذي هو سلب مطلق الحاجة، لا الغنى
بالمعنى المعروف كما أنّ المراد بالفقر مطلق الحاجة إذ حقيقة الغنى هو استقلال
الشيء بذاته في كلّ ما له من غير تعلق له بالغير أصلا، و هو بهذا المعنى لا يكون
إلّا للّه، و حقيقة الفاقة و الفقر عدم استقلال الشّيء بذاته و تعلّقه بالغير و
لو في شيء ماء و هو بهذا المعنى صفة لكلّ ممكن، فثبت أنّه تعالى غني عن خلقه من
كلّ الوجوه و تحقّق فقرهم إليه من كلّ وجه، لما تقرّر من أنّ فقيرا بالذّات من وجه
ما فهو فقير بالذّات من جميع الوجوه (إنّه لا يضلّ من هداه و لا يئل من عاداه) تعليل لطلبه
المعونة على تحصيل الكفاية فكأنّه قال: و استعينه على أن يرزقني الكفاية المستلزمة
للهداية التي هي الغنى الحقيقي و الملك الأبدي، فانّه لا يضلّ من هداه و لا يطلب
النّجاة من عذابه من عاداه، لعدم وجود منجي و موئل غيره حتّى يلتجأ منه إليه، إذ
كلّ من سواه مقهور تحت قدرته و مضمحل في جنب ذاته، لا رادّ لحكمه و لا دافع
لقضائه، فكيف يمكن الفرار من حكومته أو يلتجأ إلى من سواه، و المراد بمعاداته
سبحانه للعبد إعراضه عنه و إضلاله له فيكون كلامه 7 في قوّة أن يقال:
إنّه لا يضلّ من هداه و لا يهتدى من أضله، تصديقا لقوله سبحانه: