أبو عبد اللّه 7 عن الملائكة
يأكلون و يشربون و ينكحون، فقال: لا، إنهم يعيشون بنسيم العرش، فقيل له: ما العلّة
في نومهم؟ فقال: فرقا بينهم و بين اللّه عزّ و جلّ، لأنّ الذي لا تأخذه سنة و لا
نوم هو اللّه.
و حاصل الجمع
أن يحمل النوم في هذه الرّواية و ما شابهها من الأخبار المثبتة له، على النوم
القليل المعبر عنه بالسنة الغير المانعة عن الذكر و التسبيح.
و في قوله لا
يغشيهم نوم العيون على النوم الغالب الموجب للغفلة، و لا يبعد استفادة هذا المعنى
من قوله: لا يغشيهم، كما ذكره الرّاوندي بأخذه من الغشي الموجب لتعطيل القوى
المحركة، إلّا أنه خلاف الظاهر، و الظاهر أنه مأخوذ من غشيته إذا أتيته، فلا دلالة
فيه من حيث الوضع، و إنما الدّلالة باقتضاء الجمع الذي ذكرناه، و عليه فالمعنى أنه
لا يأتيهم نوم العيون الموجب للغفلة، كما يأتي غيرهم.
و هذا نظير
ما روي في خواص النبيّ 6، من أنه كان ينام عينه و لا ينام
قلبه انتظار اللوحى الالهي، فالنوم و إن اعتراه، لكنه لا يعطله عن مراقبة ربه
سبحانه كما يعطل غيره و اللّه العالم (و لا سهو العقول، و لا فترة الأبدان، و لا
غفلة النسيان) الفرق بين السهو و النسيان و الغفلة: أن السهو هو عزوب الشيء و
انمحاؤه عن القوّة الذاكرة مع ثبوته في الحافظة بحيث يلحظ الذّهن عند الالتفات إليه،
و النسيان هو ذهابه عنهما معا بحيث يحتاج في تحصيله إلى كسب جديد، و الغفلة أعمّ
منهما، و لما كان هذه الامور الثلاثة من عوارض القوى الانسانية صحّ سلبها عن
الملائكة، لعدم وجود تلك المعروضات فيهم كما في الانسان، و سلب الأعمّ و إن كان
مستلزما لسلب الأخص إلّا أنّه 7 جمع فيهما لزيادة التّوكيد.
و أمّا سلب
فتور الأبدان فلأنّ الفتور هو وقوف الأعضاء البدنية عن العمل بسبب تحلّل الأرواح
البدنية و ضعفها و رجوعها للاستراحة، و كلّ ذلك من توابع المزاج الحيواني، فلا جرم
صحّ سلبه عنهم، وفاقا لقوله سبحانه: يسبّحون الليل و النّهار لا يفترون.
(و) القسم
الثّاني (منهم امناء على وحيه) الحافظون له مؤدّين إيّاه إلى رسله