تعالى إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ، و الرّوايات كالايات يفسّر بعضها
بعضا، و رواية الكافي هذا و الرّواية المتقدّمة الحاوية قوله 7: فلو لا
إقبالكم بعد إدباركم و كرّكم بعد انحيازكم- إلخ، و قوله تعالى إلّا متحرّفا لقتال
تدلّ على أنّ معنى ما في النهج هو الّذي قدّمناه أوّلا، و كان للجملتان معنى صحيح
آخر ذكرناه في ضمن بيان المصادر و كان معنياهما متعاكسين أيضا، و لا يجري هذا
الاحتمال الثالث في قوله المروي في الكافي، و لو يفسّر ما في النهج به لوجب أن
يقال لا
تشتدّنّ عليكم كرّة بعد فرّة.
على أنّ
لأساليب الكلام معنى يتبادر إليه الذهن من غير تكلّف و ما من كلام إلّا أمكن فيه
تقدير وجوه من المعاني البعيدة فيخرج حينئذ عن الفصاحة و الجودة و بالجملة إذا
تأمّلت فيما قدّمنا و في سيرة أهل الحرب يظهر لك أنّ ما ينبغي أنّ تفسّر الجملتان
هو المعنيان المختاران.
كنايه قوله
7: «و أعطوا السيوف حقوقها» لا يخفى عليك أنّ هذا الفصل من مختار
كلامه 7 يفيد ثلاثة مطالب: الأوّل أنّ الحرب خدعة فالفرار منها إذا كان
موجبا لتغرير الخصم و هلاكه لا ينبغي أن يستصعب و يحسب عارا، الثاني أنّ على المجاهد
أن يراعي امورا، الثالث أنّ هؤلاء المحاربين للإمام كانوا كافرين إلّا أنّهم
أسرّوا كفرهم، أمّا الأوّل فقد مضى مفصّلا، و أمّا الثالث فسيأتي بيانه، أمّا
الثاني فقد ذكر أربعة منها: الأوّل أن يعطوا السّيوف حقوقها هذا
تحريض على الجدّ في القتال أي إذا ضربتم بها فاحكموا الضرب، و اضربوا ضربة منكرة و
إعطاءها حقوقها كناية عن هذا النحو من الضرب، فجعل للسيف حقا و هو ما ينبغي أن
يستفاد منه ثمّ أمرهم باعطاء حقّها فإذا لم يضربوا بها على ما كان الحريّ بها جدّا
فكأنّهم خانوها، كما يقال أيضا: إنّ سيف فلان لم يخنه، أي إنّه لشدّة حدّته و
جودته فعل ما أراد منه صاحبه كما قال نهشل بن حريّ النهشلي في قصيدة يرثى بها أخاه
مالكا ; و قد قتل بصفين بحضرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب 7 قتله الفئة الباغية: