و ان تعلم أنّ المعتدل الّذي يستعمله
الاطباء في مباحثهم ليس هو مشتقّا من التعادل الّذي هو التوازن بالسويّة بل من
العدل في القسمة و هو أن يكون قد توفر فيه على الممتزج بدنا كان بتمامه أو عضوا من
العناصر بكميّاتها و كيفيّاتها القسط الّذي ينبغي له في المزاج الانساني على أعدل
قسمة و نسبة لكنه قد يعرض أن يكون هذه القسمة التي تتوفر على الإنسان قريبة جدا من
المعتدل الحقيقي الأوّل.
الثالث
ان كلّ نوع
من أنواع المركّبات يشتمل على أصناف و كلّ صنف على أشخاص لا حصر لها بحيث نرى لا
يتشابه اثنان من الأنواع بل من الانواع بل من الأشخاص لونا و خلقا و خلقا و منطقا
و قال عزّ من قائل في سورة الرّوم وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ
الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ
لِلْعالِمِينَ و هذا الاختلاف لا بدّ أن يكون من سبب و ذلك السبب لا محالة مادّي
لأنّ المادّة هي منشأ الاختلاف و مثار الكثرة و لذا صار المجرد نوعه منحصرا في
فرده لعدم وجود المادة هناك.
و ذلك السبّب
ما ذا؟ قال العلامة الطوسى في شرحه على الاشارات: و ليس هذا الاختلاف بسبب الهيولى
الاولى و لا بسبب الجسميّة فانّهما مشتركان يعني أنّهما مشتركان في جميع الاشخاص
فلو كان الهيولى أو الجسميّة سببا للزم أن يكون كلّ شخص من أي نوع من الأنواع
يتشابه الاخر لاتحاد السبب، و لا بسبب المبدأ المفارق فانّه موجود أحديّ الذات
متساوى النسبة إلى جميع المادّيّات فهو إذن بسبب امور مختلفة و الامور المختلفة في
الهيولى بعد الصّورة الجسميّة هي هذه الصّور الأربع النّوعيّة الّتي أجسامها موادّ
المركّبات و الاختلاف ليس بسبب هذه الصّور أنفسها، لأنّ الاختلاف الّذي يكون
بسببها لا يزيد على أربعة فهو إذن بحسب أحوالها فى التركيب و فيما يعرض بعد
التركيب، و التّركيب يختلف باختلاف مقادير الاسطقسات في القلّة و الكثرة بقياس
بعضها إلى بعض اختلافا لا نهاية له و يختلف ما يعرض بعد التركيب باختلاف ذلك لا
محالة فتلك الاختلاف الغير المتناهية هي