حسن و الجهل قبيح و مدرك هذا الحسن و
القبيح فى الموضعين هو العقل عند الكل بلا مرية و ريب.
و أمّا
باعتبار استحقاق المدح و الذم بان يقال الحسن ما يستحق فاعله المدح و القبيح ما
استحق فاعله الذم فهل هو مدرك بالعقل ذلك موضع نزاع[1]
و أكثر العقلاء على ثبوتهما به بذلك المعنى و خالف الأشاعرة فيه و قالوا لا حكم
للعقل في ثبوتهما به بذلك المعنى بل انما الحاكم بذلك الشرع فما مدح فاعله الشرع
فحسن و ما ذمّه فقبيح و هذا الأصل هو مبنى قواعد العدليّة و مخالفوهم إذ مع تحقق
ثبوت الحسن و القبح عقلا يمكن للعقل المجال فى البحث عن اثباتهما و نفيهما باعتبار
حسن المدح و الذم عنده على تقدير وقوعهما من الفاعل المختار و لذا اسندوا القبائح
إلى مباشرها القريب و نفوا جميع القبائح عن الحكيم تعالى نظرا إلى حكمته باعتبار
ان وقوع القبيح مستلزم للذم عند العقل المنزه جناب الحق تعالى عنه المقدس عن
النقائص و اثبتوا بذلك جميع الواجبات العقلية على اللّه تعالى و على غيره نظرا
[1] و بعبارة اخرى الحسن و القبح يطلق على ثلاثة معان: الاول على
صفة الكمال و النقص كما يقال العلم حسن و الجهل قبيح بمعنى ان العلم صفة توجب كمال
صاحبه و ارتفاع شأنه و النقص سبب لنقص صاحبه و انخفاض شأنه. الثاني على ما يلائم
الطبع و المطلب الذى يريد ان يفعله فما وافقه فهو حسن فما خالفه فهو قبيح. الثالث
استحقاق المدح و جزاء الخير او استحقاق الذم و جزاء الشر سواء كان من جانب العقلاء
او من جانب اللّه تعالى سواء كان فى الدنيا او فى الاخرة و الحسن و القبح على
الاولين لا خلاف فيه و الكل متفق فى ان الافعال بعضها فى نفس الامر متصف بالحسن او
القبح العقليين و بعضها يوافق الغرض المطلوب و بعضها لا يوافق و انما الاختلاف فى
الثالث فذهب العدلية و جمهور الحكما الى ان افعال العباد فى نفس الامر متصفة
بالحسن و القبح العقليين و الاشاعرة قالوا لا حكم للعقل فى ثبوتهما بذلك المعنى بل
انما الحاكم بذلك هو الشرع فقط و بتعبير اخصروا بين ان الاشاعرة قائلون بان الحسن
و القبح على المعنيين الاولين عقلى و على الثالث شرعى لا حكم للعقل فيه.