المعقولات و التعلق بالمجردات فان البعد
عن احد الجانبين مقرب إلى الاخر و من هذا قوله 6 الدنيا و
الاخرة ككفتى ميزان ايّهما رجحت نقصت الاخرى و قال بعض أهل الحكمة انهما كالضرّتين
الانس بأحدهما يوجب الوحشة من الاخرى.
و بالجملة
الامور الدّنيوية و التعلق بها توجب الحرمان و منع التعلق بالامور الاخروية و بقدر
ما يبعد عن احدهما يقرب من الاخرى و عبر 6 عن هذه الجملة
بقوله: الدنيا رأس كلّ خطيئة فلا يتحقق التوبة المعتبرة عند أهل اللّه إلّا
بالاعراض عن الاحوال الدّنيوية بالكلّية بحيث لا يلتفت اليها و يبعدها عن مطمح
نظره كما جاء في الحديث: الدّنيا محرمة على أهل الاخرة و الاخرة محرّمة على أهل
الدّنيا و هما معا محرّمتان على أهل اللّه و لهذا قيل إن التوبة على ثلاثة أنواع
عام للعبيد كلّهم و هى التوبة عن ترك الطاعة و فعل القبيح، و خاص بأهل الورع و هى
التوبة عن فعل المكروه و ترك المندوب، و أخص من الخاص و هى التوبة عن الالتفات إلى
غير اللّه و هى لأهل الولاية الّذين هم فى مرتبة الحضور فى اغلب الاوقات، و توبة
نبيّنا 6 و اوليائه من هذا القبيل و منه قوله: 6 إنّه ليغان على قلبى و إنّى لأستغفر اللّه فى اليوم سبعين مرة، و أهل
هذه الطبقة هم أهل المراقبة.
الثاني إن التوبة عن المعاصى
واجبة على العباد و هو مبتن على مقدمة و هى:
إن الحسن و
القبح امران عقليان و هذا حكم متفق عليه بين العدلية من الامامية و المعتزلة و
ذهبت الاشاعرة إلى أن الحسن و القبح إنّما يستفادان من الشرع فكلما أمر الشرع به
فهو حسن و كلما نهى عنه فهو قبيح و لو لا الشرع لم يكن حسن و لا قبيح و لو أمر
اللّه تعالى بما نهى عنه لانقلب القبيح إلى الحسن و القول بثبوت الحسن و القبح
عقلا مما يدّعى فيه أهل التحقيق الضرورة و مع ذلك نقول كما فى المجلى:
لا ريب إن
الحسن و القبيح قد استعملا لما يلائم الطبع و لما ينافيه فيقال للأوّل حسن و
للثانى قبيح و يقالان باعتبار النقص و الكمال فما هو كمال يقال له الحسن و ما هو
نقص يقال له قبيح فمن الأوّل قولهم هذا طعم حسن و طعم قبيح و صورة حسنة و صورة
قبيحة باعتبار ملائمة الطبع و منافرته، و من الثاني قولهم العلم