و محصّله أنّكم قد كنتم على غاية الحرص و
الميل إلى بيعتي مع إباء منّي فمن كان هذا حاله فكيف ينكث و أشار إلى مزيد حرصهم
عليها بقوله (و بسطتم يدي فكففتها) شوقا منكم إلى البيعة و تمانعا منّي
(و مددتموها فقبضتها) رغبة منكم إليها و استنكافا منّى تشبيه
المحسوس بالمحسوس (ثمّ تداككتم علىّ تداكّ الابل الهيم على
حياضها يوم وردها) و هو من تشبيه المحسوس بالمحسوس أي ازدحمتم
ازدحاما شديدا يدكّ بعضكم بعضا كما يدكّ الابل العطاش بعضها لبعض على الحياض عند
شربها و وجه الشبه مزيد الازدحام.
قال الشّارح
البحراني: و يمكن أن يلاحظ في وجه الشبه كون ما عنده من الفضايل الجمّة العلميّة و
العملية تشبه الماء و كون المزدحمين عليه في حاجتهم و تعطّشهم إلى استفادة تلك
الفضايل النّافعة لعلّتهم كالعطاش من الابل يوم ورودها انتهى، و الأوّل
أظهر و أشبه[1].
أقول: و في
تخصيص الصغير و الكبير و العليل و الكعاب بالذّكر زيادة توكيد و تقرير للغرض
المسوق له الكلام، فانّ من شأن الصّغير على ماله من عدم التميز عدم الالتفات و
التّوجه إلى كثير من الامور، و من شأن الكبير على ما به من ضعف الكبر عدم المشى
إليها، و كذلك المريض على ما فيه من ثقل المرض و من شأن الكعاب الاستحياء عن كشف
وجهها لا سيّما في منتدى الرّجال و بين ملاء النّاس فسرور الأوّل بالبيعة و سعى
الثّانيين إليها بالتكلّف و المشقّة، و حسر الرابعة إليها كاشف عن فرط رغبة
العامّة و حرصهم عليها فالبيعة الواقعة على هذا الوجه ليس لأحد أن يتخلّف أو ينكث
عنه.
كما أشار
7 إلى ذلك في كلامه الذى رواه في الارشاد عن الشعبي قال:
لمّا اعتزل
سعد بن أبي وقاص و عبد اللّه بن عمر و محمّد بن سلمة و حسّان بن ثابت و اسامة بن
زيد أمير المؤمنين و توقفوا عن بيعته حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
أيّها النّاس
إنّكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، و انّما الخيار