(فمحلّها مقترب و ساكنها مغترب) يحتمل أن يكون المراد أنّ محلّ القبور و مكانها قريب من الأحياء و
لكن ساكنها غريب عنهم، و أن يكون المراد أنّ محلّ كلّ منها قريب من الاخر و لكن
ساكنوها غرباء، يعني أنّهم تدانوا في خططهم و قربوا في مزارهم و بعدوا في لقائهم.
(بين أهل
محلّة موحشين) أى ذوى وحشة ليس بينهم مودّة و لا الفة و على كون موحشين بصيغة المفعول
فالمعنى استيحاش الاحياء منهم، و حاصله أنّهم لا يستأنسون بأحد و لا يستأنس بهم
أحد لا من الأحياء و لا من الأموات (و أهل فراغ متشاغلين) أى فراغ من
الأمور الدّنيويّة متشاغلين بالامور البرزخيّة من السؤال و الجواب و الثواب و
العقاب.
(لا
يستأنسون بالأوطان) كاستيناس الاحياء بأوطانهم (و لا يتواصلون
تواصل الجيران) كتوصّل أهل الدّنيا بجيرانهم (على ما بينهم من
قرب الجوار و دنوّ الدّار) و حاصله أنّهم جيران لا يتأنسون و أحياء لا
يتزاورون، بليت بينهم عرى التّعارف، و انقطعت منهم أسباب التّواصل، فكلّهم و
حيدوهم جميع، و بجانب الهجران و هم جيران (و كيف يكون بينهم تزاور) و تأنّس
استعاره بالكنايه تخييلية ترشيحية (و قد طحنهم بكلكله البلى) استعارة
بالكناية شبّه البلى بالجمل الضّروس الّذى يرضّ و يدقّ ما يركب عليه بكلكله أى
صدره فأثبت له الكلكل تخييلا، و الطحن ترشيحا، و الجامع أنّ البلى يجعل الأجساد
أجزاء دقاقا مثل الدّقيق و الطّحين، و كذلك يجعل الضّروس بكلكله ما برك عليه عند
الصّيال، و محصّله استبعاد تزاورهم مع اضمحلال أجسامهم و انحلالها بالبلى و كونهم
ممزّقين كلّ ممزّق استعاره تبعية (و أكلتهم الجنادل و الثرى) استعارة
تبعيّة كما في قولهم: نطقت الحال، و المراد إفناؤها لهم، فاستعار لفظ الاكل
للافناء أى كيف يكون بينهم تزاور و قد أفنتهم الجنادل و التّراب هذا.
و لا يخفى
عليك أنّ إنكار التّزاور و التأنس إمّا مخصوص بغير المؤمنين