وجه الصّدق و الصواب و نصحها عن وجه
الشفقّة و الصداقة بقوله (و لئن تعرّفتها) أى طلبت معرفة حالها في الصدق و الكذب و استخبرت نصحها و غشّها (في الدّيار الخاوية) اى الساقطة او الخالية من
اسكانها (و الرّبوع الخالية) أى
المنازل الخالية من
أهلها (لتجدّنها من حسن تذكيرك و بلاغ موعظتك) أى موعظتها الكافية (بمحلّة الشفيق عليك) العطوف الرءوف بك حيث لم تألوك نصحا و لم تكذب في تذكيرها و لم تغشّ
في نصحها (و) بمنزلة (الشحيح بك) أى البخيل بأن تصيبك ما
يسوؤك و يكون مال أمرك مال أمر الغافلين الهالكين من عذاب النّار و سخط الجبّار.
(و لنعم
دار من لم يرض بها دارا) بل جعلها ممرّا لمقرّه (و محلّ من لم
يوطنها محلا) بل جعلها مجازا إلى مأواه.
و هؤلاء هم
السّعداء المتقون المنتفعون بما فيها من العبر المشار إليهم بقوله كنايه (و إنّ
السّعداء بالدّنيا غدا هم الهاربون منها اليوم) قال الشّارح
البحراني: وجه سعادتهم بها استثمارهم للكمالات المعدّة في الاخرة منها و لن يحصل
ذلك إلّا بالهرب منها اليوم و كنّى بالهرب منها عن الاعراض الحقيقى عن لذّاتها و
التّباعد من اقتنائها لذاتها لاستلزام الهرب عن الشيء التباعد عنه و الزّهد فيه،
و ظاهر أنّ التباعد منها بالقلوب إلّا ما دعت الضرورة إليه و اتّخاذها مع ذلك سببا
إلى الاخرة من أسباب السّعادة و مستلزماتها.
كما أشار
إليه سيّد المرسلين 7 من حاله فيها بقوله: ما أنا و الدّنيا إنّما مثل
فيها كمثل راكب سار في يوم صايف فرفعت له شجرة فنزل فقعد فى ظلّها ساعة ثمّ راح
فتركها، هذا.
و لمّا نبّه
7 على أنّ أهل السعادة غدا هم الهاربون منها اليوم فسّر مراده بالغد
بقوله اقتباس (إذ رجفت الرّاجفة) أى تحرّكت بترديد و اضطراب و الرّجفة
الزّلزلة العظيمة الشديدة و هو اقتباس من الاية الشريفة يَوْمَ تَرْجُفُ
الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قال بعض المفسّرين: معناها يوم تضطرب
الأرض اضطرابا شديدا