و قد نقل عن بعض العرفاء و كان محاسبا
لنفسه أنّه حسب يوما فاذا هو ابن ستّين سنة، فحسب أيّامها فاذا هى أحد و عشرون ألف
يوم و خمسمائة يوم، فصرخ و قال: يا ويلتى أ ألقى الملك بأحد و عشرين ألف ذنب فكيف
و في كلّ يوم عشرة آلاف ذنب، ثمّ خرّ مغشيّا عليه فاذا هو ميّت.
فهكذا ينبغي
أن يحاسب نفسه على الانفاس و على معصيته بالقلب و الجوارح في كلّ ساعة، و لو رمى
العبد بكلّ معصية حجرا في داره لكان فى مدّة قليلة تلا صغيرا و لكنّه يتساهل فى
حفظ المعاصى و الملكان يحفظان عليه ذلك أحصاه اللّه و نسوه و أمّا أولياء اللّه
الكاملون فى مقام العبوديّة و الطاعة فلهم المداقّة فى محاسبة أنفسهم و معاتبتها (على كلّ
صغيرة و كبيرة امروا بها فقصّروا عنها أو نهوا عنها ففرّطوا فيها) لعدم
إخراجهم أنفسهم من حدّ التقصير فانّه عزّ و جلّ لا يمكن أن ينال مدى عبادته، و كيف
يمكن البلوغ إلى مدى عبادة من لا مدى له، و من ذلك أنّ المعصومين :
كانوا يعدّون أنفسهم في عداد المذنبين المقصّرين لكون حسنات الأبرار سيئات
المقرّبين حسبما عرفت تفصيلا في شرح الخطبة الاولى عند تحقيق عصمة الأنبياء عليهم
السّلام.
(و حمّلوا
ثقل أوزارهم) و آثامهم (ظهورهم فضعفوا عن الاستقلال بها) أى عن حمل الاوزار (فنشجوا
نشيجا) أى بكوا بكاء متوجّع مجاز (و تجاوبوا نحيبا) أى جاوب
بعضهم بعضا بالنّحيب و البكاء الشّديد، و لفظ التّجاوب مجاز فانّهم لمّا كانوا في
مقام محاسبة النّفس رافعين أصواتهم بالبكاء صاروا بمنزلة المتجاوبين كأن كلّا منهم
يجاوب الاخر ببكائه و نحيبه.
(يعجّون
إلى ربّهم من مقاوم ندم و اعتراف) أى يرفعون أصواتهم إليه عزّ و جلّ بالتّضرّع
و الابتهال فى مقامات التوبة و الابتهال و الاعتراف بالتّفريط و التّقصير.
و قوله (لرأيت) جواب لو
مثّلتهم حسبما اشرنا إليه أى لو تصوّرت حالاتهم في مقاماتهم المحمودة و مجالسهم
المشهودة و شاهدت من شئونهم كيت و كيت لرأيت (أعلام هدى) يهتدى
باثارهم في ظلم الضّلالة (و مصابيح دجى) يقتبس من أنوارهم