في غياهب الجهالة
(قد حفّت بهم الملائكة) أى أحاطت عليهم
الملائكة تشريفا و إكراما و عناية من اللّه تعالى في
حقّهم (و تنزّلت عليهم السّكينة) و
هى هيئة جسمانيّة تنشاء من استقرار الأعضاء و طمأنينتها مع اعتدال حركاتها، و لعلّ
المراد بها برد اليقين الّذي اشرنا إليه في شرح الكلام الّذى قبل هذا الكلام له
7.
(و فتحت
لهم أبواب السّماء) بالعنايات الالهيّة و الافاضات الملكوتيّة و الألطاف
الغيبيّة (و اعدّت لهم مقاعد الكرامات) المشار إليها في
قوله عزّ و جلّ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ
عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
قال أمين
الاسلام الطّبرسى: أى أنهار من الخمر و الماء و العسل، وضع نهر فى موضع أنهار
لأنّه اسم جنس يقع على القليل و الكثير، و الاولى أن يكون انّما و حدّ لوفاق
الفواصل فى «مقعد صدق» أى فى مجلس حقّ لا لغو فيه و لا تأثيم و قيل: وصفه بالصّدق
لكونه رفيعا مرضيا، و قيل: لدوام النعيم به و قيل: لأنّ اللّه صدق وعد أوليائه فيه
«عند مليك مقتدر» أى عند اللّه سبحانه فهو المالك القادر الذي لا يعجزه شيء، و
ليس المراد قرب المكان تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا بل المراد أنهم فى كنفه و
جواره و كفايته حيث تنالهم غواشى رحمته و فضله.
و الحاصل
أنهم هيأت لهم تلك المقاعد (فى مقام اطلع اللّه عليكم فيه) و فى نسخة
الشارح المعتزلي عليهم بدل عليكم و هو أنسب و على هذه النسخ فلعلّه من تغليب
المخاطبين على الغايبين، و يمكن أن يكون النكتة فى العدول من الغيبة على الخطاب
تهييج المخاطبين و الها بهم بالتنبيه على أنّ اللّه تعالى مطلع عليكم و عليهم
جميعا و لكن مقاعد كراماته صارت مخصوصة بهم لتكميلهم للعبودية فينبغى أن تكونوا
مثلهم حتى تكون معدّة لكم أيضا كما اعدّت لهم.
(فرضى
سعيهم) أى جدّهم و جهدهم فى العبادة (و حمد مقامهم) أى مقام
عبوديتهم و هو فوق مرتبة مقام العبادة لأنّ العبادة للعوام من المؤمنين و العبودية
للخواصّ من السالكين و العبادة لمن له علم اليقين و العبودية لمن له عين اليقين
فانّ حقيقة العبودية هى الاسر و التذلل فى قيد الرّقية و أن لا يبقى فيه أثر من
آثار