حين خلقه اللّه عزّ و جلّ و ابتدعه، قال
اللّه تبارك و تعالى:
انّي خلقت و
ركّبت جسده من أربعة أشياء، ثمّ جعلتها وراثة في ولده تنمي في أجسادهم و ينمون
عليها إلى يوم القيامة، و ركّبت جسده حين خلقته من رطب و يابس و سخن و بارد، و ذلك
أنّي خلقته من تراب و ماء ثمّ جعلت فيه نفساً و روحاً فيبوسة كلّ جسد من قبل
التّراب، و رطوبته من قبل الماء، و حرارته من قبل النفس، و برودته من قبل الرّوح.
ثمّ خلقت فى
الجسد بعد هذا الخلق الأوّل أربعة أنواع، و هنّ ملاك الجسد و قوامه بادنا لا يقوم
الجسد إلّا بهنّ و لا تقوم منهنّ واحدة إلّا بالاخرى: منها المرّة السوداء، و
المرّة الصّفراء، و الدّم، و البلغم ثمّ اسكن بعض هذا الخلق فى بعض، فجعل مسكن
اليبوسة فى المرّة السّوداء، و مسكن الرّطوبة فى المرّة الصفراء، و مسكن الحرارة
فى الدّم، و مسكن البرودة فى البلغم.
فأيّما جسد
اعتدلت فيه هذه الأنواع الأربع الّتى جعلتها ملاكه و قوامه و كانت كلّ واحدة منهنّ
أربعا لا تزيد و لا تنقص كملت صحّته و اعتدل بنيانه، فان زاد منهنّ واحدة عليهنّ
فقهرتهنّ و مالت بهنّ دخل على البدن السّقم من ناحيتها بقدر ما زادت و إذا كانت
ناقصة تقلّ عنهنّ حتّى تضعف من طاقتهنّ و تعجز عن مقارنتهنّ «مقاومتهنّ» قال وهب:
فالطبيب العالم بالدّاء و الدّواء يعلم من حيث يأتي السقم من قبل زيادة تكون فى
احدى هذه الفطرة الأربع أو نقصان منها، و يعلم الدّواء الّذى به يعالجهنّ فيزيد فى
النّاقصة منهنّ أو ينقص من الزّايدة حتّى يستقيم الجسد على فطرته و يعتدل الشيء
بأقرانه.
إذا عرفت ذلك
فنقول: إذا أراد اللّه أن يشفى المريض و يحصل له البرء من مرضه أصاب المعالج و
اهتدى إلى معرفة ما به من الدّاء و نفع الدّواء بالخاصيّة الّتى فيه و إذا قضى
أجله أخطأ المعالج أو سقط الدّواء من التأثير أو أمدّ ضدّ خاصيّته المكمونة