عن آذان المستمعين
(لقد رجعت فيهم أبصار العبر و سمعت عنهم آذان العقول)
هذا ناظر إلى طرف الأحياء (و تكلّموا من غير جهات
النّطق) هذا ناظر إلى طرف الأموات.
و محصّل
المراد أنّ الأحياء و إن لم يمكن لهم إدراك حالات من القبور بطرق المشاعر الظاهرة
و استطلاعها بالأبصار و الاذان، لكنّهم تمكّنوا من معرفتها بأبصار البصائر و العبر
و الاطلاع عليها بطريق العقل، و كذلك الموتى و إن لم يكن لهم ايصال أخبارهم إلى
الأحياء و إظهار حالاتهم بالنّطق و لسان المقال، لكنّهم أخبروهم و تكلّموا بلسان
الحال.
(فقالوا
كلحت الوجوه النّواضر) أى عبست الوجوه ذات الحسن و البياض و البهجة و النّضارة
قال تعالى هُمْ فِيها كالِحُونَ أى عابسون، و قيل: هو من الكلوح الّذى
قصرت شفته عن أسنانه كما تقلص رءوس الغنم إذا شيطت بالنار.
(و خوت
الأجساد النّواعم) و في بعض النّسخ الأجسام النّواعم أى سقطت الأجساد المنعّمة بلذايذ
الدّنيا في وهدة القبور أو خلت الأبدان النّاعمة اللّينة من الأرواح فصارت جيفة
منتنة أو المراد خلوّها من الدّم و الرّطوبة و ذهاب طراوتها.
استعاره
مرشحة- استعاره تبعية (و لبسنا أهدام البلى) قال الشّارح
البحراني استعار لفظ الأهدام للتّغير و التّقشف و التّمزيق العارض لجسم الميّت
لمشابهتها العظم البالى، و يحتمل أن يريد بها الأكفان، انتهى.
أقول: يجوز
أن يكون الكلام من قبيل التشبيه المرشح بأن يقدر تشبيه البلى المحيط بهم بالأهدام
و الأثواب الممزقة البالية المحيطة بالبدن، فاضيف المشبّه به إلى المشبه ثمّ قرن
بما يلايم المشبّه به و يناسبه و هو اللّبس ترشيحا للتّشبيه، و أن يكون من باب
الاستعارة لا الاستعارة الأصليّة كما توهّمه الشارح لعدم انتظام معنى الكلام على
ما ذكره إلّا بتكلّف، بل من الاستعارة التّبعيّة بأن يستعار اللّبس للشمول و
الاحاطة فيكون محصل المعنى أحاط بنا و شملنا البلى و التمزيق إحاطة اللّباس بالبدن
فافهم.
(و تكاءدنا
ضيق المضجع) أى شقّ علينا ضيق القبر استعاره (و توارثنا
الوحشة) أى وحشة القبور و استعار لفظ التوارث لكون الوحشة منها
لابائهم و أسلافهم قبلهم