و تنكر قوم آخرين له لنسبتهم إليه العجب
و التّيه كما زعموا و احتقاره العرب و استصغاره النّاس كما عدّدوه عليه و إن كانوا
عندنا كاذبين، و لكنّه قول قيل، و أمر ذكر، و حال نسبت إليه. و أعانهم عليها ما
كان يصدر عنه من أقوال توهم مثل هذا نحو قوله: فانّا صنائع ربّنا و الخلق بعد
صنائع لنا ما صحّ به عنده أنّ الأمر لم يكن ليستتمّ له يوما واحدا و لا ينتظم و لا
يستمرّ، و أنّه لو ولي الأمر لفتقت العرب عليه فتقا يكون فيه استيصال شافة الاسلام
و هدم أركانه، فأذعن بالبيعة و سمح إلى الطّاعة و أمسك عن طلب الامرة و إن كان على
مضض و رمض، و هذا المذهب هو أقصد المذاهب و أصحّها، و إليه يذهب أصحابنا
المتأخّرون من البغداديّين و به نقول.
قال: و اعلم
أنّ حال عليّ 7 في هذا المعني أشهر من أن تحتاج في الدّلالة عليها إلى
الاسهاب و الاطناب، فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة بعد
وفاة رسول اللّه 6 بخمس و عشرين سنة، و في دون هذه
المدّة تنسي الأحقاد و تموت التّرات و تبرد الأكباد الحامية و تسلوا القلوب
الواجدة و يعدم قرن من النّاس و يوجد قرن و لا يبقي من أرباب تلك الشحناء و
البغضاء إلّا الأقلّ فكانت حاله بعد هذه المدّة الطويلة مع قريش كأنّها حالة لو
أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمّه من إظهار ما في النّفوس و هيجان ما في القلوب
حتّى أنّ الأخلاف من قريش و الأحداث و الفتيان الّذين لم يشهدوا وقايعه و فتكاته
في أسلافهم و آبائهم فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله و تقاعست عن
بلوغ شأوه، فكيف كانت تكون حاله لو جلس على منبر الخلافة و سيفه بعد يقطر دما من
مهج العرب لا سيّما من قريش الّذين بهم كان ينبغي لو دهمه خطب أن يعتضد، و عليهم
كان وجب أن يعتمد إذا كانت تدرس أعلام الملّة و تتعفّي رسوم الشريعة و تعود
الجاهليّة الجهلاء إلى حالها و يفسد ما أصلحه رسول اللّه 6 في ثلاث و عشرين في شهر واحد، فكان من عناية اللّه تعالى بهذا الدّين أن ألهم
الصّحابة ما فعلوه، و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون، انتهى كلامه جزاه اللّه
ما يستحقّه أقول: و يتوجّه عليه: