و لقائل أن يقول لهم: أ تقولون إنّ بيعة
عثمان لم تكن صحيحة؟
فيقولون: لا.
فيقال لهم:
فعلى ما ذا تحملون كلامه 7 مع تعظيمكم له و تصديقكم لأقواله؟
فيقولون:
نحمل ذلك على تألّمه و تظلّمه منهم إذ تركوا الأولى و الأفضل، فانكم لستم تنكرون
أنه كان الأفضل و الأحقّ بالأمر بل تعترفون بذلك و تقولون ساغت إمامة غيره و صحّت
لمانع كان فيه و هو ما غلب على ظنون العاقدين للأمر من أنّ العرب لا تطيعه فانه
تخاف من فتنة عظيمة تحدث إن ولى الخلافة لأسباب يذكرونها و يعدّونها، و قد روى
كثير من المحدّثين أنه 7 عقيب يوم السقيفة تألّم و تظلّم و استنجد و استصرخ
حيث ساموه الحضور و البيعة و أنه قال و هو يشير إلى القبر: إنّ القوم استضعفوني و
كادوا يقتلونني، و أنه قال: وا جعفراه و لا جعفر لي اليوم وا حمزتاه و لا حمزة لى
اليوم، و قد ذكرنا من هذا المعنى جملة صالحة فيما تقدّم و كلّ ذلك محمول عندنا على
أنه طلب الأمر من جهة الفضل و القرابة و ليس بدالّ عندنا على وجود النصّ، لأنه لو
كان هناك نصّ لكان أقلّ كلفة و أسهل طريقا و أيسر لما يريد تناولا أن يقول: يا
هؤلاء إنّ العهد لم يطل و إنّ رسول اللّه أمركم بطاعتى و استخلفني عليكم بعده، و
لم يقع منه بعد ما علمتموه نصّ ينسخ ذلك و لا يرفعه فما الموجب لتركى و العدول
عنّي.
فان قالت
الامامية: كان خاف القتل لو ذكر ذلك.
قيل لهم:
فهلّا خاف القتل و هو يقتل و يدفع ليبايع و هو يستصرخ تارة بقبر رسول اللّه 6 و تارة بعمّه جعفر و أخيه حمزة و هما ميّتان، و تارة بالأنصار،
و تارة ببني عبد مناف و يجمع الجموع في داره و يبثّ الرّسل ليلا و نهارا إلى
النّاس يذكرهم فضله و قرابته و يقول للمهاجرين خصمتم الأنصار بكونكم أقرب إلى رسول
اللّه 6 و أنا اخصمكم بما خصمتم به الأنصار، لأنّ
القرابة إن كانت هي المعتبرة فأنا أقرب منكم و هلّا خاف من الامتناع و من هذا
الاحتجاج و من الخلوة في داره بأصحابه و من تنفير النّاس عن البيعة الّتي عقدت
حينئذ لمن عقدت له.