فالوالى المتكبّر منازع للّه تعالى في
صفة لا يليق إلّا بجلاله مثل الغلام الّذى أخذ قلنسوة الملك فوضعها على رأسه و جلس
على سريره فما أعظم استحقاقه للمقت و الخزى و ما أقبح ما تعاطاه و أشدّ جرأته على
مولاه و أفحش سفهه عند أهل البصيرة هذا.
و لمّا ذكر
اجمالا أنّ المشاهد لجمال الربوبيّة يصغر في نظره ما سواه و أنّ أحقّ النّاس
بمشاهدة جلاله و استصغار غيره هو من فاز لعظيم نعمة المعرفة و عقّبه بذكر حالة
الولاة من حبّهم للفخر و الكبر و اتّهامهم بذلك.
أردف ذلك
بالتصريح على براءة نفسه القدسية من هذه الحالات و نزاهته عن حبّ الاطراء و الثناء
بمقتضي مشاهدته لجلال الربّ تعالى فقال:
(و قد كرهت
أن يكون جال في ظنّكم أني أحبّ الاطراء) أى المجاوزة عن الحدّ في المدح و
المبالغة فيه (و استماع الثناء) قال بعض الشارحين: جولان الظنّ حصول المعني
في النفس من غير إذعان كامل، و كراهته 7 له يدلّ على كراهته للاذعان
التامّ بطريق أولى.
(و لست
بحمد اللّه كذلك) أى محبا لها (و لو كنت احبّ أن يقال ذلك) أى لو أحببت
الاطراء و الثناء و التعظيم و التّبجيل بما فيه من التذاذ النفس (لتركته) قطعا (انحطاطا
للّه) و تذلّلا لأجله و تصاغرا (عن تناول ما هو أحقّ به) منّي و من
كلّ أحد (من العظمة و الكبرياء) و يحتمل أن يكون أحقّ بمعني حقيق
غير مراد به التفضيل كما في قولهم العسل أحلي من الخلّ و هو الأظهر بل أولى لأنّ العظمة و
الكبرياء لا يليق إلّا به تعالى كما قال في الحديث القدسى: الكبرياء ردائي و
العظمة إزارى فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم و لا ابالي.
و في كلامه
7 إشارة إلى أنّ الاطراء و الثناء يجران إلى الكبر و ذلك أنّ المادح
إذا بالغ في المدح و ذكر مناقب الممدوح و محاسنه و اثنى عليه بها يورث ذلك في
الممدوح الارتياح و الاهتزاز و استعظامه لنفسه بما فيها من المناقب و المحاسن و
استحقاره بغيره لخلوّه منها، و ليس الكبر إلّا عبارة عن ذلك.