(و
انقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد) أى انصرفوا إلى وطنكم
الأصلى الّذي منه خرجتم و هو الدّار الاخرة و الجنّة و ذلك باعتبار كونهم ذرّا في
صلب أبيهم آدم منه خرج و إليه عاد أو المراد انصرافهم إلى الحقّ الأوّل عزّ و جلّ
فانّه تعالى منه البداء و إليه الانتهاء، و هو غاية مراد المريدين، و منتهى سير السّايرين،
و مرجع الرّاجعين كما قال تعالى ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى
عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ^ و قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ
راجِعُونَ.
و على أىّ
تقدير فلا يخفى ما في التعبير بلفظ الانقلاب من حسن التّقرير و بديع الصّناعة، و
محصّل المراد الأمر بتحصيل صالح الزاد ليوم المعاد و أراد به التقوى كما قال عزّ و
علا وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى.
و علّل شدّة
الحاجة إلى أخذ الزاد بقوله (فانّ أمامكم عقبة كئودا) أى صعبة
شاقّة المصاعد.
(و منازل
مخوفة مهولة لابدّ من الورود عليها و الوقوف عندها) أشار بها إلى شدايد
الموت و مشاق البرزخ و منازل الاخرة و مواقف القيامة و أهاويلها و أخاويفها و
أفزاعها يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ
بِسُكارى وَ لكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ.
روى في
البحار من أمالي المفيد عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللّه جعفر ابن محمّد
8: ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فانّ في القيامة خمسين موقفا
كلّ موقف كألف سنة ممّا تعدّون ثمّ تلا هذه الاية فِي يَوْمٍ كانَ
مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.
و من تفسير
عليّ بن إبراهيم في هذه الاية قال 7: إنّ في القيامة خمسين