و الأظهر أن
يكون التصغير للتّعظيم، و الغرض منه استعظامه لعداوته لها باعتبار ظلمه عليها، و
ذلك لأن لنفسه و لكلّ من جوارحه عليه حقّا و قد روينا في شرح الخطبة التّاسعة و
الثمانين في ضمن أخبار محاسبة النفس من الوسايل من الخصال و معاني الأخبار عن عطا
عن أبي ذر عن النّبي 6 في حديث قال: و على العاقل ما
لم يكن مغلوبا أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، و ساعة يحاسب فيها نفسه، و
ساعة يتفكّر فيها صنع اللّه إليه، و ساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال فانّ هذه
السّاعة معينة لتلك السّاعات، و استجمام للقلوب و تفريغ لها.
و فى البحار
من كتاب تنبيه الخاطر قيل: إنّ سلمان رضى اللّه عنه جاء زائرا لأبي الدّرداء فوجد
امّ الدّرداء مبتذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إنّ أخاك ليست له حاجة في شيء من أمر
الدّنيا، قال: فلمّا جاء أبو الدّرداء رحّب لسلمان و قرّب إليه طعاما فقال لسلمان
اطعم فقال: إنّى صائم، قال: أقسمت عليك إلّا ما اطعمت، فقال: ما أنا باكل حتّى
تأكل، قال: و بات عنده فلمّا جاء الليل قام أبو الدّرداء فحبسه سلمان فقال: يا أبا
الدّرداء إنّ لربّك عليك حقّا، و لجسدك عليك حقّا، و لأهلك عليك حقّا، فصم و افطر
و صلّ و نم و أعط كلّ ذى حقّ حقّه، فأتى أبو الدّرداء النّبي 6 فأخبره بما قال سلمان فقال 7 مثل قول سلمان.
و قوله (لقد
استهام بك الخبيث) أى جعلك هائما متحيّرا لا تدرى ما تفعل و أين تذهب، و فيه تنبيه على
أنّ تركه للدّنيا لم يكن عن خالص العقل، بل كان بمداخلة الشيطان و شوب الهوى، و
ذلك بما كان في فعله ذلك من الاخلال بجملة من الحقوق الواجبة شرعا عليه من حقّ
الأهل و الأولاد كما أشار إليه بقوله:
استفهام
توبيخي- استفهام انكارى (أما رحمت أهلك و ولدك) استفهام في معرض
التّوبيخ و الانكار، لاعراضه عنهم و تركه لهم و عدم ترحّمه عليهم، و قد جعل اللّه
تعالى عليه حقّا.
كما يدلّ
عليه ما رواه في البحار من كتاب تحف العقول في رسالة عليّ بن