الوجه الأول أنّ هذه الاية مختصّة
بمحاربة المرتدّين، و أبو بكر هو الذي تولّى محاربة المرتدّين، و لا يمكن أن يكون
المراد هو الرّسول 6، لأنه لم يتّفق له محاربة
المرتدّين، و لأنه تعالى قال: فسوف يأتي اللّه، و هذا للاستقبال لا للحال، فوجب أن
يكون ذلك القوم غير موجودين فى وقت نزول هذا الخطاب.
فان قيل: هذا
لازم عليكم، لأنّ أبا بكر كان موجودا فى ذلك الوقت.
قلنا: الجواب
من وجهين:
الأول أنّ
القوم الذين قاتل بهم أبو بكر أهل الردّة ما كانوا موجودين فى الحال و الثّانى أنّ
معنى الاية أنّ اللّه تعالى قال: فسوف يأتي اللّه بقوم، قادرين متمكّنين من هذا
الحراب، و أبو بكر و إن كان موجودا فى ذلك الوقت إلّا أنه ما كان مستقلّا فى هذا
الوقت بالحراب و الأمر و النّهى، فزال السؤال فثبت أنه لا يمكن أن يكون هو الرّسول
6 و لا يمكن أن يكون المراد هو علىّ 7 لأنّ
عليا لم يتّفق له قتال مع أهل الردّة فكيف تحمل هذه الاية عليه.
فان قالوا:
بل كان قتاله مع أهل الردّة، لأنّ كلّ من نازعه فى الامامة كان مرتدّا.
قلنا: هذا
باطل من وجهين:
الأول أنّ
اسم المرتدّ إنما يتناول من كان تاركا للشرايع الاسلاميّة، و القوم الذين نازعوا
عليّا ما كانوا كذلك فى الظاهر، و ما كان أحد يقول إنّهم خرجوا عن الاسلام و عليّ
لم يسمّهم البتّة بالمرتدّين، فهذا الذى يقوله هؤلاء الرّوافض لعنهم اللّه بهت على
جميع المسلمين و على عليّ 7 أيضا.
الثاني أنه
لو كان كلّ من نازعه في الامامة مرتدّا لزم فى أبى بكر و فى قومه أن يكونوا
مرتدّين، و لو كان كذلك لوجب بحكم ظاهر الاية أن يأتي اللّه بقوم يقهرونهم و
يردّونهم إلى الدّين الصحيح، و لما لم يوجد ذلك البتّة علمنا أنّ منازعة عليّ فى
الامامة لا يكون ردّة، و إذا لم تكن ردّة لم يمكن حمل الاية على عليّ لأنّها نازلة
فيمن يحارب المرتدّين.