فلمّا أبصرت العوام كثرة بوادر معاوية فى
المكايد، و كثرة غرايبه فى الخدع، و ما اتّفق له و تهيّأ على يده، و لم يروا ذلك
من علىّ، ظنّوا بقصر عقولهم أنّ ذلك من رجحان عند معاوية و نقصان عند علىّ فقالوا
لو لم ما يعدّ له من الخدع إلّا رفع المصاحف.
ثمّ انظر هل
خدع بها إلّا من عصى رأى عليّ و خالف أمره، فان زعمت أنّه قد نال ما أراد من
الاختلاف فقد صدقت و ليس فى هذا اختلفنا، و لا عن غرارة أصحاب علىّ 7 و
عجلتهم و تسرّعهم و تنازعهم دفعنا، و إنّما كان قولنا فى التميز بينهما فى الدّهاء
و النكراء و صحّة الرّأى و العقل.
على أنّا لا
نصف الصالحين بالدّهاء و النكراء، و لا يقول أحد عنده شيء من الخير: كان رسول اللّه
6 أدهى العرب و العجم و أنكر قريش و أنكر كنانة.
لأنّ هذه
الكلمة إنّما وضعت فى مديح أصحاب الارب و من يتعمّق فى الرأى فى توكيد أمر الدّنيا
و زبرجها و تشديد أركانها.
فأمّا أصحاب
الاخرة الّذين يرون النّاس لا يصلحون على تدبير البشر و انّما يصلحون على تدبير
خالق البشر لا يمدحون بالدّهاء و النكراء، و لم يمنعوا إلّا ليعطوا أفضل منه.
و أما الشارح
المعتزلي فقد قال:
إنّ السّايس
لا يتمكّن من السّياسة البالغة إلّا إذا كان يعمل برأيه و بما يرى فيه صلاح ملكه و
تمهيد أمره، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، و متى لم يعمل فى السّياسة بمقتضى
ما قلناه فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوسق حاله.
و أمير
المؤمنين 7 كان مقيّدا بقيود الشريعة، مدفوعا إلى اتّباعها و رفض ما
يصلح من آراء الحرب و الكيد و التدبير إذا لم يكن للشرع موافقا، فلم يكن قاعدة فى
خلافته قاعدة غيره ممّن لم يلتزم بذلك.
و لسنا زارين
بهذا القول على عمر بن الخطّاب، و لكنّه كان مجتهدا يعمل بالقياس و الاستحسان و
المصالح المرسلة و يرى تخصيص عمومات النّصّ بالاراء و بالاستنباط من اصول يقتضى
خلاف ما يقتضيه عموم النّصوص، و يكيد خصمه و يأمر