رويّة و أبعد غاية و أدقّ مسلكا، و ليس الأمر
كذلك و ساري إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه و المكان الّذى دخل عليه الخطاء من
قبله.
كان عليّ
7 لا يستعمل في حربه إلّا ما وافق الكتاب و السنّة.
و كان معاوية
يستعمل خلاف الكتاب و السّنّة كما يستعمل الكتاب و السنة، و يستعمل جميع المكائد
حلالها و حرامها و يسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقي كسرى، و خاقان إذا لاقي
رتبيل.
و عليّ 7 يقول: لا تبدءوا بالقتال حتّى يبدؤكم، و لا تتبعوا مدبرا، و لا تجهزوا على
جريح، و لا تفتحوا بابا مغلقا، و هذه سيرته في ذى الكلاع و في أبي أعور السلّمي، و
في عمرو بن العاص، و حبيب بن مسلمة و في جميع الرّؤساء كسيرته في الحاشية و الحشو
و الأتباع و السّفلة.
و أصحاب
الحروب إن قدروا على البيات تبيّتوا. و إن قدروا على رضخ الجميع بالجندل و هم نيام
فعلوا و إن أمكن ذلك فى طرفة عين، و لم يؤخّروا الحرق إلى وقت الغرق، و إن أمكن
الهدم لم يتكلّفوا الحصار، و لم يدعوا أن ينصبوا المجانيق و العراوات و النّقب و
الشريب و الدّبابات و الكمين، و لم يدعوا دسّ السّموم و لا التضريب بين النّاس
بالكذب و طرح الكتب في عساكرهم بالسّعايات و توهيم الامور و ايحاش بعضهم من بعض و
قتلهم بكلّ آلة و حيلة كيف وقع القتل و كيف دارت بهم الحال.
فمن اقتصر من
التدبير حفظك اللّه على ما في الكتاب و السنّة و كان قد منع نفسه الطويل العريض من
التدّبير و ما لا يتناهى من المكايد، و الكذب أكثر من الصّدق و الحرام أكثر عددا
من الحلال، و كذلك الايمان و الكفر و الطاعة و المعصية و الحقّ و الباطل، و كذلك
الصّحة و السّقم و الصّواب و الخطاء.
فعليّ 7 كان ملجما بالورع عن جميع القول إلّا ما هو للّه عزّ و جلّ رضى، و ممنوع
اليدين عن كلّ بطش إلّا ما هو للّه رضى، و لا يرى الرّضاء إلّا فيما يرضاه اللّه و
يحبّه، و لا يرى الرّضاء إلّا فيما دلّ عليه الكتاب و السنّة دون ما يقول عليه
أصحاب الدّهاء و النّكراء و المكايد و الاراء.