الطعام إلى جائع فلم يأكل فانّه منعم
عليه و إن لم يقبل.
(أمّا بعد
فانّى اوصيكم) عباد اللّه (ب) ما لا أزال اوصيكم به أعنى (تقوى
اللّه الذى ابتدء خلقكم) و فى الاتيان بهذه الجملة و ما يتلوها من الجملات الوصفية
تعظيم لشأنه عزّ و جلّ و تأكيد للغرض المسوق له الكلام، لأنّ العلم باتّصافه بهذه
الصفات يوجب مزيد الملازمة بالتقوى و المواظبة على
أوامره و نواهيه عزّ و تعالى.
و المراد
بهذه الجملة انّ اللّه الذى حباكم خلعة الخلقة و أخرجكم من العدم و أفاض عليكم
نعمة الوجود الّتي هى أصل جميع النّعم صغيرها و كبيرها و جليلها و حقيرها أحرى بأن
يخشى منه و يتّقى و لا يقابل نعمه العظام بالكفران و آلائه الجسام بالتّمرّد و
الطغيان.
(و إليه يكون
معادكم) أى عودكم و رجوعكم يوم حشركم و نشركم، فانّ الكلّ إليه راجعون
فيجازيهم بما كانوا يعملون، و أمّا الذين اتّقوا، فأولئك هم الفائزون و أما الذين
ظلموا فلا ينفع معذرتهم و لا هم يستعتبون كما قال عزّ من قائل: إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَ عُيُونٍ وَ فَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَ
اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ.
(و به نجاح
طلبتكم و إليه منتهى رغبتكم) أى الظفر بمطالبكم و قضاء مقاصدكم و نيل
حوائجكم، فانّه تعالى قاضى حوائج السائلين و منجح طلبات الرّاغبين، و من كان هذا
شأنه يجب أن يطاع و يعبد لا أن يعصى لحكمه و يتمرّد.
(و نحوه
قصد سبيلكم) لأنّه منتهى سير السالكين و غاية مراد المريدين، فلا بدّ من سلوك
صراطه المستقيم المؤدّى إلى قربه و زلفاه، و هو صراط الملازمين لطاعته و تقواه و
أمّا غيرهم فانّهم عن الصراط لناكبون، و عن لقائه محرومون.
تشبيه (و إليه
مرامى مفزعكم) يعنى إذا دهمكم الخوف و الفزع ترميكم الأفزاع نحوه، لأنه يجيب
المضطرّ إذا دعاه و يكشف السوء عنه إذا ناداه.
و فى الحديث
ليس وراء اللّه مرمى، قال الطريحي: أى مقصد ترمى إليه الامال و يوجه نحوه الرّجاء،
تشبيها بالهدف الّتي ترمى إليها السّهام، و إذا كان شأنه العزيز انّه إذا فاجاكم
الفزع فاليه تضرّعون، و إذا مسّكم الضرّ فاليه تجأرون، فلا بدّ