و أمّا الباطن فليس على معنى الاستبطان
في الأشياء بأن يغور فيها، و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و
تدبيرا كقول القائل أبطنته يعني خبرته و علمت مكتوم سرّه، و الباطن منّا الغايب في
الشيء المستتر و قد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.
(و) أمّا قوله (دان و لم
يدن) فأراد به أنّه جزى العباد بأعمالهم إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا،
و لم يجز، أو أنّه حاسب و لم يحاسب، أو أنّه استعلا عليهم و لم يستعل عليه، أو
أنّه تسلّط على كلّ ما سواه و لم يسلّط عليه، أو أنّه ملك جميع الخلايق و لم يملك،
أو أنّه قهر الكلّ و غلبهم بافتقار الكلّ إليه و استغنائه عنهم و لم يقهر عليه.
قال الرّضا
7 في الحديث الّذى قدّمناه آنفا:
و أما القاهر
فانّه ليس على معنى علاج و نصب «و تصلّب خ» و احتيال و مداراة و مكر كما يقهر
العباد بعضهم بعضا و المقهور منهم يعود قاهرا و القاهر يكون مقهورا، و لكن ذلك من
اللّه عزّ و جلّ على أنّ جميع ما خلق ملبس به الذّل لفاعله و قلّة الامتناع لما
أراد به لم يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون، و القاهر منّا على ما ذكرت و
وصفت فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.
(لم يذرء
الخلق باحتيال) أى لم يخلقهم باستخراج وجوه الحيل و إجالة الرّأى و الفكر في
استخراجها كما هو شأن البشر في صنعهم، و ذلك لأنّ الفكرة و الحركة القلبية مختصّة
بذوى الضمائر، و جلال البارى تعالى شأنه منزّه عنه و إنما أمره إذا أراد شيئا أن
يقول له كن فيكون.
(و لا
استعان بهم لكلال) أى لعجز و اعياء، لأنّ منشأ الاعياء تناهي القوّة الجسمية المخصوصة
بذوى الأجسام، و طلب العون و الحاجة إلى المعين من ضعف القدرة، و إذ لا ضعف و لا
عجز لكمال ذاته سبحانه قوّة و قدرة فلا يتصوّر في حقه الاستعانة.
و لما فرغ من
تمجيد الحقّ المتعال بما هو أهله و تنزيهه عن صفات النقص