و الافتقار أردفه بالايصاء بما لا يزال
يوصى به فقال:
(اوصيكم
عباد اللّه بتقوى اللّه فانها الزّمام) للانسان المانع له عن تقحّم المهالك
الجاذب إلى أقوم المسالك و الصارف له عن الرّدى إلى الهدى و عن الجحيم إلى النعيم
كما أنّ الزّمام للخيل مانع لها عن اقتحام الهلكات و تورّط الورطات (و) هي أيضا (القوام) أى قوام
الدّين و نظام وظايف الشرع المبين.
(فتمسكوا
بوثائقها) أى بعريها الوثيقة و حبالها المحكمة من الطاعات و القربات التي هي
جزؤها.
و أشار إلى
ثمرة التمسك و الاعتصام بها بقوله (تؤل بكم) أى ترجعكم و تقودكم (إلى
أكنان الدّعة) و مواطن الرّاحة متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا و لا
زمهريرا، و دانية عليهم ظلالها و ذللت قطوفها تذليلا.
(و أوطان
السعة) أى جنة عرضها السموات و الأرض مع عيش سعيد و أكل رغيد، فالدّاخل
فيها في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا و اشربوا هنيئا بما أسلفتم في
الأيام الخالية.
(و معاقل
الحرز) المانعة من عذاب النار و من غضب الجبار و ظلّ ذى ثلاث شعب لا ظليل و
لا يغنى من اللّهب.
(و منازل
العزّ) أى حظاير القدس و مجالس الانس مع النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و
الصالحين من السادة الأبرار و القادة الأخيار في جنات تجرى من تحتها الأنهار، و
إذا رأيت ثمّ رأيت نعيما و ملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر و استبرق و حلّوا
أساور من فضّة و سقيهم ربّهم شرابا طهورا، إنّ هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم
مشكورا و لما أوصى بالتقوى و أمر بالتمسك و الاعتصام بها و رغّب فيها بالتنبيه على
مالها من المنفعة العظيمة و هى إرجاعها إلى جنّة النعيم أكّد ذلك الترغيب بانجائها