من النقص و الحاجة، و أمّا اللّه الحيّ
القيّوم فهو الغنىّ الكامل المطلق في ذاته و صفاته و أفعاله و لم يخلق ما خلقه
لتشديد سلطان و لا تخوّف من عواقب زمان و لا استعانة على ندّ مثاور و لا شريك
مكائر و لا ضدّ منافر حسبما عرفته في الخطبة الرّابعة و الستّين و شرحها بما لا
مزيد عليه.
و هذا معنى
قوله (لأنه لا تضرّه معصية من عصاه و لا تنفعه طاعة من أطاعه) و قد تقدّم
فى شرح الخطبة المأة و الخامسة و الثمانين أنّ غرضه من الخلق و الايجاد و من الأمر
بالطاعة و الانقياد هو ايصال النفع إلى العباد و إكمالهم بالتكاليف الشرعيّة و
رفعهم بالعمل بها إلى حظاير القدس و محافل الانس.
و قوله (فقسّم
بينهم معايشهم و وضعهم من الدّنيا مواضعهم) تفريع على قوله:
خلق الخلق لا
تقرير و تاكيد، لغناه المطلق كما قاله الشارح البحراني.
و المراد أنه
تعالى أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى و قسّم بينهم معيشتهم أى ما يعيشون به فى الحياة
الدّنيا من أنواع الرّزق و الخير و المنافع و النعماء، و وضع كلا منهم موضعه
اللّايق بحاله من الفقر و اليسار و الغنى و الافتقار و السعة و الاقتار على ما
يقتضيه حكمته البالغة و توجبه المصلحة الكاملة كما اشير اليه فى قوله عزّ و جلّ نَحْنُ
قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا
بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ هذا.
و انما فرّع
7 هذه الجملة على ما سبق و عقّبه بها لتكون توطئة و تمهيدا بقوله
(فالمتّقون فيها هم أهل الفضايل) يعني أنّ معايش الخلق فى الدّنيا لما كانت
بحسب تقسيم اللّه سبحانه و اقتضاء حكمته اقتضى العناية الالهية و النظم الأصلح فى
حقّ المتّقين بمقتضى كونهم من أهل السبق و القربى أن يكون عيشهم فى الدّنيا بخلاف
معايش ساير الخلق و يكون حركاتهم و سكناتهم و حالاتهم وراء حالات أبناء الدّنيا،
فاتّصفوا بالفضايل النفسانية و تزيّنوا بمكارم الأخلاق و محامد
الأوصاف الّتي فصّلها 7 بالبيان البديع و التفصيل العجيب.
اولها أنّ (منطقهم
الصواب) و هو ضدّ الخطاء يعنى أنهم لا يسكتون عما ينبغي أن يقال فيكونون
مفرّطين، و لا يقولون ما ينبغي أن يسكت عنه فيكونون مفرطين