و قد تقدّم شرح معناها و حقيقتها و بعض
ما يترتّب عليها من الثمرات الدنيويّة و الاخرويّة في شرح الخطبة الرّابعة و
العشرين، و قد روينا هناك عن الصّادق 7 انّه قال في تفسيرها: أن لا
يفقدك اللّه حيث أمرك و لا يراك حيث نهاك، هذا.
و المراد
بقوله: و أحسن هو الاحسان في العمل، يعني أنّ اللازم عليك الأخذ بالتقوى
و القيام بالحسنى من الأعمال الصّالحة.
و هذا الّذى
قلنا أولى ممّا قاله الشارح البحراني من أنّ معني كلامه أنّه أمره بتقوى اللّه أى
في نفسه أن يصيبها فادح بسبب سؤاله، و أحسن أى أحسن إليها بترك تكليفها فوق طوقها.
و كيف كان
فلمّا أمره بالتّقوى و الاحسان علّله بقوله اقتباس (فانّ اللّه مع
الّذين اتّقوا و الّذين هم محسنون) ترغيبا له إلى القيام بهما، و هو اقتباس من
الاية الشريفة خاتمة سورة النحل، يعني أنّه سبحانه مع الّذين اتّقوا ما حرّم عليهم
و أحسنوا فيما فرض عليهم أى معين لهم و ناصر لهم و هو وليّهم فى الدّنيا و الاخرة.
(فلم يقنع
همّام بذلك القول) و لم يكتف بالاجمال (حتّى عزم عليه 7) و أقسم و
ألحّ في السؤال.
(ف) أجاب 7 مسئوله و أنجح مأموله و (حمد اللّه) عزّ و جلّ (و أثنى
عليه) بما هو أهله (و صلّى على النبيّ و آله ثمّ قال أما بعد
فانّ اللّه سبحانه خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم).
و انما مهّد
هذه المقدّمة لأنه 6 لما كان بصدد شرح حال المتقين
تفصيلا حسبما اقترحه همام و كان ربما يسبق إلى الأوهام القاصرة أنّ ما يأتي به
المتّقون من مزايا الأعمال و الصالحات و ما كلّفهم اللّه سبحانه به من محامد
الخصال و القربات من أجل حاجة منه تعالى عن ذلك إليها، قدّم هذه المقدّمة تنبيها
على كونه سبحانه منزّها عن ذلك، متعاليا عن صفات النقص و الحاجة في الأزل كما في
الأبد، و أنه لم يكن غرضه تعالى من الخلق و الايجاد تكميل ذاته بجلب المنفعة و دفع
المضرّة كما فى ساير الصناع البشرية يعملون الصنائع لافتقارهم إليها و استكمالهم
بها بما في ذاتهم