ليس بجسم و لا جسماني و لا ذي مقدار
فاستحال أن تحدّه الالات و
تعدّه الأدوات.
و أمّا المشاعر الباطنة
فانّ مدركاتها و إن لم تكن مقصورة في المحسوسات و الموجودات إلّا أنها إذا حملت
على ما ليس بموجود في الخارج ترجع و تخترع صورة مماثلة للموجود حسبما عرفته في شرح
الفصل الثاني من المختار الأوّل فهي أيضا لا تتعلّق إلّا بما يماثلها في الامكان و
لا تحيط إلّا بما هو في صورة جسم أو جسماني.
فاتّضح بذلك
أنّ أفعال الأدوات و الالات و آثارها إنما توجد
في الأشياء الممكنة الّتي هي مثلها لا فيه تعالى، هذا.
و لما ذكر
أنّه سبحانه أجلّ و أعظم شأنا و قدسا من دخوله في عداد المحدودات و أكّده باستحالة
التحديد و الاشارة إليه سبحانه من الالات و الأدوات لكون
مدركاتها مقصورة محصورة في أسناخها و أشباهها من الممكنات و المحسوسات و أكّده
ثانيا بالتنبيه على أنّ الالات موصوفة بالحدوث و الامكان و النقص، و الحقّ الأوّل
جلّ شأنه و عظم سلطانه موصوف بالقدم و الوجوب و الكمال، فكيف لها أن تحوم حوم حضرة
القدس و أنّى للحادث أن يحدّ القديم و للممكن الاشارة إلى الواجب و للناقص الاحاطة
بمن هو في غاية العظمة و الكمال و الجبروت و الجلال.
و ذلك قوله (منعتها
منذ القدمة و حمتها قد الأزلية و جنبتها لو لا التّكملة) فالمقصود بهذا
الكلام التنبيه على حدوث الالات و الأدوات و نقصها صراحة و الاشارة إلى قدم الباري
تعالى و كماله ضمنا أو بالعكس، و الأوّل مبنيّ على كون منذ و قد و لو لا مرفوعات
المحل على الفاعلية، و الثاني على انتصابها بالمفعوليّة و كون الفاعل القدمة و
الأزليّة و التكملة و الأوّل أولى و أنسب لمطابقته لنسخة الرضيّ كما روي و لكون
قرب هذه الجمل بقوله و إنما تحدّ الأدوات آه مشعرا بكون عمدة
النظر فيهما إلى بيان وصف الالات بالحدوث و إظهار
نقصها و قصورها و ان كان المقصود بالذات منهما جميعا الدلالة على تنزيه الباري
سبحانه من القصور و النقصان.
و كيف كان
فتوضيح دلالة هذا الكلام على المرام يحتاج إلى تمهيد مقدّمة